« إنّك لمقتول بعدي ، وإنّ رأسك لمنقول ، وهو أوّل رأس ينقل في الإسلام ، والويل لقاتلك ...
أما إنّك لا تنزل بقوم إلاّ أسلموك برمّتك إلاّ هذا الحيّ من بني عمرو بن عامر فإنّهم لن يسلموك ولن يخذلوك ».
ولمّا أفلت دولة العدل والحقّ وآل الحكم إلى ابن هند أوعز إلى شرطته وعملائه بإلقاء القبض عليه ، ولمّا علم عمرو بذلك استولى عليه الذعر والخوف ، فنزل في قومه من بني خزاعة ، فسلّموه إلى الشرطة ، ونفّذ فيه الإعدام ، وحملوا رأسه هدية إلى معاوية بالشام ، وطيف به في البلدان (١).
فكان أوّل رأس طيف به في الإسلام ، وهو يحمل مشعل النور والكرامة ويهدي الناس للتي هي أقوم.
وأمر الطاغية بحمل الرأس الشريف إلى زوجته آمنة بنت الشريد ، وكانت في سجونه ، وألقت الشرطة رأس زوجها في حجرها فذعرت وانهارت قواها وأخذت دموعها تتبلور على سحنات وجهها قائلة : وا حزناه لصغره في دار هوان ، وضيق من ضيمة سلطان ، نفيتموه عنّي طويلا ، وأهديتموه إليّ قتيلا ، فأهلا وسهلا بمن كنت له غير قالية ، وأنا له اليوم غير ناسية ... والتفتت إلى الحرسي بشجاعة قائلة :
ارجع به أيّها الرسول إلى معاوية فقل له ولا تطوه دونه ، أيتم الله ولدك ، وأوحش منك أهلك ولا غفر لك ذنبك ... ، وبادر الشرطي إلى معاوية فأخبره بمقالتها فغضب وورم أنفه ، وأمر بإحضارها في بلاطه ، فأحضرتها جلاوزته فبادرها قائلا :
أنت يا عدوّة الله صاحبة الكلام الذي بلغني؟
__________________
(١) الاستيعاب ٢ : ٥١٧.