وحفرت لهم القبور ، وطلب حجر أن يسمحوا له بالوضوء والصلاة فسمحوا له بذلك ، فتوضّأ وصلّى صلاة وأطال في سجودها فلمّا أتمّ صلاته قال للقوم :
والله ما صلّيت صلاة أخفّ منها ، ولو لا أن تظنّوا فيّ جزعا من الموت لاستكثرت منها ...
ثمّ أخذ يناجي ربّه ويدعو على عدوّه الماكر الخبيث ابن هند قائلا :
اللهمّ إنّا نستعيذك على امّتنا فإنّ أهل الكوفة شهدوا علينا ، وأنّ أهل الشام يقتلوننا ، أما والله لئن قتلتموني بها فإنّي لأوّل فارس من المسلمين هلك في واديها ، وأوّل رجل من المسلمين نبحته كلابها.
وانطلق الخبيث الأعور هدبة بن فياض القضاعي شاهرا سيفه ، فلمّا رآه حجر ارتعدت أوصاله ، وقيل له : زعمت أنّك لا تجزع من الموت فابرأ من صاحبك وندعك.
فأجاب حجر :
ما لي لا أجزع وأرى قبرا محفورا وكفنا منشورا وسيفا مشهورا ، وإنّي والله إن جزعت من القتل لا أقول ما يسخط الربّ (١).
وكان آخر ما نطق به :
لا تطلقوا عنّي حديدا ، ولا تغسلوا عنّي دما ، فإنّي ملاق معاوية على الجادة (٢).
ثمّ نفّذ فيه حكم الإعدام ، وسقط على الأرض جثة هامدة ففي ذمّة الله ما لاقاه هذا العملاق العظيم من التنكيل والقتل لا ذنب اقترفه ، وإنّما ولائه أخي رسول
__________________
(١) الكامل في التاريخ ٣ : ٦٩٢.
(٢) الاستيعاب ١ : ٣٣١.