إنّا تارة نبحث عن جريان الاحتياط وإمكانه في المقام ، فبما انّ البحث يكون حينئذ من إحدى صغريات مسألة الاحتياط وهي أُصولية بلا كلام ، فالمسألة المبحوث عنها في المقام أيضاً أُصولية ، وأُخرى نبحث عن حكم العمل ، هل هو محكوم بالاستحباب أم لا ، فهي من هذه الجهة فقهية كما لا يخفى ، هذا بالنظر إلى أصل المسألة.
وأمّا بالنسبة إلى أخبار من بلغ ، فيبتنى كون المسألة أُصولية أو فقهية ، على مختارنا في مفادها ، فان ذهبنا إلى أنّ تلك الأخبار ناظرة إلى أنّ الشرائط المعتبرة في حجية الخبر من الإسلام والعدالة والضبط ، مختص اعتبارها بما إذا كان مفاد الخبر حكماً إلزامياً ، وأمّا إذا كان حكماً غير إلزامي ، فيكفي في ثبوته مجرد وصول الخبر به وبلوغ الثواب عليه فالمسألة حينئذ أُصولية ، وإنّ قلنا : إنّ فعل المكلّف المشكوك تعلّق الأمر به ، يصير ببركة هذه الروايات ذا مصلحة غير إلزامية ، موجبة للحكم باستحبابه شرعاً ، وان لم يكن مطابقاً للواقع وعلى هذا يكون البحث في المقام عن استحباب العمل البالغ عليه الثواب ، فيكون بحثاً فقهياً ، إلّا أنّك ستعرف انّ المختار في مفاد تلك الأخبار ، لا هذا ولا ذاك ، بل هي عندنا ناظرة إلى جهة كلامية محضة.
وأمّا ما أفاده المحقّق النائيني (قدسسره) في ذيل كلامه ، من إنّ الروايات تكون متمحّضة في الحكم بالاستحباب لأجل طرو عنوان ثانوي ، كما قيل بنظيره في مطلق الأمارات الخ ، فهو في غاية البعد جداً ، إذ لا دلالة في الأخبار المذكورة على أنّ عنوان البلوغ [بلوغ الثواب أو الخير] ، ممّا يوجب حدوث مصلحة غير إلزامية في العمل ، بها يصير مستحباً ، بل أقصى ما يدل عليه ظاهرها ، هو الإرشاد إلى حكم العقل بحسن الانقياد وترتّب الثواب على الإتيان بالعمل الذي بلغ عليه الثواب وإن لم يكن الواقع كما بلغه ، وسيأتي إن شاء الله بيان مفادها تفصيلا.