مع أنّه يمكن أنّ يقال : إنّ هذه الأخبار ناظرة إلى إلغاء الشرائط في الأخبار القائمة على المستحبات ، فتكون حاكمة على ما دل على اعتبار الشرائط في الاخبار الآحاد وفي الحكومة لا تلاحظ النسبة.
أضف إلى ذلك أنّه لو قدم ما دل على اعتبار الشرائط في مطلق الأخبار لم يبق لأخبار من بلغ مورد ، بخلاف ما لو قدمت أخبار من بلغ على تلك الأدلّة فانّ الواجبات والمحرّمات تبقى مشمولة لها» (١).
أقول : للمناقشة في كلامه (قدسسره) مجال واسع :
أمّا أوّلاً : فلأنّ آية النبأ لا تدل على شرائط الحجية مطلقاً ، إذ لا شبهة في اختصاصها بالواجبات والمحرّمات ، والشاهد على ذلك ما في ذيلها من التعليل لأن فرض المخافة من الوقوع في الندم إنّما يصح في الأحكام الالزامية فقط. فلا أخصية لأخبار من بلغ بالنسبة إلى آية النبأ.
وأمّا ثانياً : فلأنّ جعل عمل المشهور مرجّحاً لأخبار المقام ، ممّا لا وجه له لأنّ عملهم بها وإن كان مسلّماً إلّا أنّ وجهه غير معلوم لنا ، إذ يمكن توجيه عملهم على أحد الوجوه السالفة ولا ينحصر في هذا القول ، فمن المحتمل أنّهم فهموا منها ما لا ينافي ما دل على الشرائط ، فلم يبق تعارض بينهما بحسب نظرهم ، وعنوان المسألة في كلماتهم بالتسامح في أدلة السنن لا يدل على أنّ مضمون أخبار من بلغ عندهم هو إلغاء شرائط الحجية في المندوبات فانّ التسامح كما يمكن أن يكون لذلك يمكن أيضاً لوجوه أُخر.
وأمّا ثالثاً : فلأنّ دعوى حكومة أخبار الباب على ما دل على شرائط الحجية ، غير مسموعة ، حيث إن مناط الحكومة هو أن تكون بعض الأدلة بحسب لسانها ناظراً إلى البعض الآخر تضييقاً أو تعميماً ، وهو مفقود في المقام ، ضرورة أنّه ليس
__________________
(١) أجود التقريرات : ٢ / ٢٠٨ ، وفوائد الأُصول : ٣ / ٤١٣.