ومن جهة ثانية اعتنى المصنف بمنهج النقد والتثبت في النقل ، حيث صرح بذلك في مقدمته فقال أنّه يتثبت في المداحض والمزال ، ويتعمق في التمييز بين الراجح والزال ، ولا يجمد على ما وجده في كتاب ، فقال :
|
« فإنّ هذه اللغة الشريفة الّتي رفع الله مقدارها ، وجعل على ألسنة خيرته من خلقة مدارها ، لم تكن تؤخذ إلاّ بالسماع والتلقين ، أو الرواية الوافية ببلج الحق وثلج اليقين ، وعلى هذا جرى السلف من العلماء في سالف الدهر ، فجنوا من رياضها يانع الثمر ونافح الزهر ، وما كانوا ليتّكلوا على ما في بطن صحيفة ومتن مجلة ما لم يشافهوا به الجهابذة من المشايخ الجلة ، ثمّ طمست آثار تلك الأعلام ، وعمّت سبل الهدى غاشية الظلام ، وحار طرف الدليل ، وطاح صوت الحادي ، وأمسى الخرّيت ينادي : إنّه الليل وأضواج الوادي. فلم يبق إلاّ الرجوع إلى ما أودعه العلماء في بطون الدفاتر ، والنهوض إلى الاقتباس منها بعزم غير فاتر ، وإذ قد تعذّر الاستفهام عند الاستبهام ، والحصول على الصواب ، بالسؤال والجواب. فمن اللازم للّبيب الحازم أن يتثبت في المداحض والمزال ، ويتعّمق في الميز بين الراجح والزال ، وأن لا يأمن غائلة التعجيل ، بالمبادرة إلى الإثبات والتسجيل حتّى يتقصّى في الاستقراء ، لا سيّما عند التصنيف والإقراء ، فمن جمد على ما وجد في كتاب ، فقد استهدف لنبل اللوم وسهام العتاب ، وكأين |