والشافعيّ (١) يتعوّذان / في الركعة الأولى من الصلاة ، ويريان قراءة الصلاة كلّها كقراءة واحدة ، ومالك ـ رحمهالله ـ لا يرى التعوّذ في الصلاة المفروضة ، ويراه في قيام رمضان ، ولم يحفظ عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنّه تعوّذ في صلاة.
وأما لفظ الاستعاذة ، فالذي عليه جمهور الناس هو لفظ كتاب الله تعالى : أعوذ بالله من الشيطان الرّجيم ، وأما المقرءون ، فأكثروا في هذا من تبديل الصفة في اسم الله ، وفي الجهة الأخرى ؛ كقول بعضهم : أعوذ بالله المجيد من الشّيطان المريد ، ونحو هذا مما لا أقول فيه : نعمت البدعة ، ولا أقول : إنه لا يجوز ، ومعنى الاستعاذة الاستجارة والتحيّز إلى الشيء على وجه الامتناع به من المكروه.
وأما الشيطان ، فاختلف في اشتقاقه (٢) ، فقال الحذّاق : هو فيعال من شطن ، إذا بعد ؛
__________________
(١) محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن الشافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف جد النبي صلىاللهعليهوسلم. وشافع بن السائب هو الذي ينسب إليه الشافعي ، لقي النبي صلىاللهعليهوسلم في صغره ، وأسلم أبوه السائب يوم «بدر» ؛ فإنه كان صاحب راية بني هاشم ، وكانت ولادة الشافعي بقرية من الشام يقال لها «غزة». قاله ابن خلكان وابن عبد البر. وقال صاحب التنقيب : ب «منى» من مكة ، وقال ابن بكار : ب «عسقلان» ، وقال الزوزني : ب «اليمن» ، والأول أشهر ، وكان ذلك في سنة خمسين ومائة ، وهي السنة التي مات فيها الإمام أبو حنيفة (رحمهالله) حمل إلى مكة وهو ابن سنتين ، ونشأ بها ، وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين ، ثم سلمه أبوه للتفقه إلى مسلم بن خالد مفتي مكة ، فأذن له في الإفتاء. وهو ابن خمسة عشر سنة ، فرحل إلى الإمام مالك بن أنس ب «المدينة» ، فلازمه حتى توفي مالك (رحمهالله) ثم قدم «بغداد» سنة خمسة وتسعين ومائة ، وأقام بها سنتين ، فاجتمع عليه علماؤها ، وأخذوا عنه العلم ثم خرج إلى «مكة» حاجا ، ثم عاد إلى «بغداد» سنة ثمان وتسعين ومائة ، فأقام بها شهرين أو أقل ، فلما قتل الإمام موسى الكاظم خرج إلى «مصر» ، فلم يزل بها ناشرا للعلم ، وصنف بها الكتب الجديدة ، وانتقل إلى رحمة الله (تعالى) يوم الجمعة سلخ رجب سنة أربع ومائتين ، ودفن بالقرافة بعد العصر في يومه.
ينظر : «ابن هداية الله» ص ١١ ، «سير أعلام النبلاء» (١٠ / ١) ، «التاريخ الكبير» (١ / ٤٢) ، «طبقات الحفاظ» (ص ١٥٢) ، «تذكرة الحفاظ» (١ / ٣٦١)
(٢) اختلف أهل العربية في اشتقاق «الشيطان» ، فقال جمهورهم : هو مشتق من «شطن يشطن» أي : بعد ؛ لأنه بعيد من رحمة الله تعالى ، وأنشدوا : [الوافر]
نأت بسعاد عنك نوى شطوف |
|
فبانت والفؤاد بها رهين |
وقال أمية بن أبي الصلت : [الخفيف]
أيّما شاطن عصاه عكاه |
|
ثمّ يلقى في السّجن والأكبال |
وحكى شيخ النحاة سيبويه : «تشيطن» أي فعل فعل الشياطين ، فهذا كله يدل على أنه من شطن ؛ لثبوت النون وسقوط الألف في تصاريف الكلمة ، ووزنه على هذا «فيعال».
وقيل : هو مشتق من «شاط يشيط» أي : هاج واحترق. ولا شك أن هذا المعنى موجود فيه ، فأخذوا.