وكان ـ رحمهالله ـ أورع زمانه ، يبغض الاجتماع بأهل الدنيا والنظر إليهم وقربهم ، وأتاه في مرضه بعض من يذمه من علماء عصره ، فطلب منه أن يسمح له ، فغفر له ودعا له ، ولما مات بكى عليه هذا العالم شديدا وتألم ، ومتى ذكره بكى ويقول : فقدت الدنيا بفقده ، كان يثني كثيرا على رجلين من علماء عصره ممن يذمونه ويسيئون إليه ، وكان يصلح بين الخصام ، ويقضي الحوائج ، ذكر أنه كتب يوما ثلاثين كتابا بلا فترة ، قال : «كلفني بها إنسان لم أقدر على ردها». ولو كان إنسان ينسخ مثل هذا في كل يوم لظفر بعدة أسفار ، وهذه مصائب ابتلينا بها.
ومن صبره كثرة وقوفه مع الخلق ، ولا يفارق الرجل حتى ينصرف. وهذا كله مع إدامة الطاعات وسواء الطريقة وشدة التّحرّز والإسراع بوفاء حقوق العباد قبل استحقاقها ، إذا أعار كتابا رده في أقرب مدة قبل طلب صاحبه ، وربما كان سفرا ضخما لا يمكن مطالعته إلا في ثلاثة أيام ، فيطالعه يوما واحدا ويرده.
وكان يأمر أهله بالصّدقة سيما وقت الجوع ويقول : من أحب الجنة فليكثر الصدقة ؛ خصوصا في الغلاء ، كثير التصدق بيده ، ويكثر الخروج للخلوات ومواضع الخرب الباقية آثارها للاعتبار ، وإذا رأى ما كان منها متقنا ذكر حديث : «رحم الله عبدا صنع شيئا فأتقنه» ويقول : أين سكانها؟ وكيف يتنعمون؟.
وأما تآليفه فقال الملالي : منها شرحه الكبير على «الحوفية» المسمى «المقرب المستوفى» كبير الجرم ، كثير العلم ، ألفه وهو ابن تسعة عشر عاما ، ولما وقف عليه شيخه الحسن أبركان تعجب منه ، وأمر بإخفائه حتى يكمل سنه أربعين سنة ؛ لئلا يصاب بالعين ، ويقول له : لا نظير له فيما أعلم ، ودعا لمؤلفه ، وعقيدته الكبرى سماها «عقيدة التوحيد» في كراريس من القالب الرباعي ، أول ما صنفه في الفن ، ثم شرحها ، ثم الوسطى وشرحها في ثلاثة عشر كراسا ، ثم الصغرى وشرحها في ست ، وهي من أجل العقائد ؛ لا تعادلها عقيدة ، كما أشار إليه هو. حدثني بعضهم أنه مات قريبه وكان صالحا ، فرآه في النوم. فسأله عن حاله فقال : دخلت الجنة فرأيت إبراهيم الخليل (عليهالسلام) يقرىء صبيانا عقيدة السنوسي ، يدرسونها في الألواح يجهرون بقراءتها ـ ا ه.
قال الشيخ : لا شك أنه لا نظير لها فيما علمت ، تكفي من اقتصر عليها عن سائر العقائد ، وقد نظم سيدي محمد بن يحبش التازي في مدحها أبياتا ، وعقيدته المختصرة أصغر من الصغرى ، وشرحها أربع كراريس ، وفيه فوائد ونكت ، والمقدمات المبينة لعقيدته الصغرى قريبة منها جرما ، وشرحها خمس كراريس ، وشرح الأسماء الحسنى في كراريس ،