كثيرة من المسلسلات وغيرها. وعن العالم الأجلّ الصالح أبي الحسن القلصادي الأندلسي الفرائض والحساب ، وأجازه جميع ما يرويه وغيرهم. وكان آية في علمه وهديه ، وصلاحه وسيرته ، وزهده وورعه وتوقيه.
جمع تلميذه الملالي في أحواله وسيره وفوائده تأليفا كبيرا في نحو ستة عشر كراسا من القالب الكبير.
وكان حليما ، كثير الصبر ، ربما يسمع ما يكره فيتعامى عنه ولا يؤثر فيه ، بل يتبسم ، وهذا شأنه في كل ما يغضبه ولا يلقي له بالا ، ولا يحقد على أحد ، ولا يعبس في وجهه ، يفاتح من تكلم في عرضه بكلام طيب وإعظام حتى يعتقد أنه صديقه ، وقع له ممن يدعي أنه أعلم أهل الأرض كلام ينقصه ، فما بالى به ، ولما ألّف بعض عقائده أنكر عليه كثير من علماء أهل وقته ، وتكلموا بما لا يليق ، فتغير لذلك كثيرا وحزن أياما ، ثم رأى في منامه عمر بن الخطاب واقفا على رأسه بيده سيف أو عصا ، فهزها على رأسه وهدده بها ، وكأنه قال : ما هذا الخوف من الناس. فأصبح قد زال حزنه ، واشتدّ قلبه على المنكرين ؛ فخرست حينئذ ألسنتهم ، فحلم عنهم وسمح ، فأقروا بفضله.
وكان من عاداته أنه إذا صلى الصبح في مسجده وفرغ من ورده ، أقرأ العلم إلى وقت الفطور المعتاد ، ثم خرج ووقف مع الناس ساعة بباب داره ثم دخل وصلى الضحى قدر قراءة عشرة أحزاب ، ثم اشتغل بالمطالعة في وقت طول النهار ، وإلا ربما زالت الشمس وهو في الضحى ، وخرج بعد الزوال للخلوات ، فلا يرجع إلا للغروب ، أو يبقى في بيته فيتوضأ ويصلي أربع ركعات ، ثم خرج لمسجده وصلى بالناس الظهر وتنفل أربعا ، ويقرىء ثم يتنفل وقت العصر أربعا ، ويصلي العصر ويقرأ ، أو يخرج لداره. واشتغل بالورد إلى الغروب ، ثم خرج للمغرب وتنفل بست ركعات ، ويبقى هناك حتى يصلي العشاء ، ويقرأ ما تيسر ورجع لداره ونام ساعة ، ثم اشتغل بالنظر أو النسخ ساعة وتوضأ ، ويصلي باقيا فيها ، أو في ذكر لطلوع الفجر ، هذا أكثر حاله.
وأما وعظه ، فكان يقرع الأسماع ، وتقشعر منه الجلود ، كل من حضر يقول : معي يتكلم ، وإياي يعني ، جله في الخوف والمراقبة وأحوال الآخرة ، لا تخلو مجالسه منه مع حلاوة له ، لا توجد في كلام غيره ، يعظ كل أحد بحسب حاله ، ما رؤي قط إلا وشفتاه متحركتان بالذكر ، وربما يكلمه إنسان وهو يذكر الله تعالى ، وتسمع لقلبه أنينا من شدة خوفه ومراقبته على الدوام ، كان يقول : حقيقة العبودية امتثال الأمر ، واجتناب النهي مع كمال الذلة والخضوع.