ودعوى أنّ الظنّ بنفسه جزء الموضوع وحجّة معتبرة محرزة للجزء الآخر مساوقة لكون الظنّ تمام الموضوع وأنّ الحكم يدور مداره ، إن كان هناك واقع أو لم يكن.
نعم ، لا بأس بأخذ الظنّ جزء الموضوع ، ويكون الجزء الآخر أمرا أجنبيّا غير الواقع المظنون.
قيام الأمارات والأصول مقام القطع
قد عرفت في المبحث السابق انقسام القطع إلى أقسام خمسة ، والآن نبحث عن أنّ الأمارات وكذا بعض الأصول هل تقوم بدليل اعتبارها مقام القطع بأقسامه الخمسة ، أو لا تقوم إلّا مقام بعض الأقسام؟ ثمّ ذاك البعض أيّ بعض هو؟
فاعلم أنّه لا إشكال ولا كلام في إمكان قيام الأمارات مقام كلّ الأقسام ، إن نهضت أدلّة متعدّدة على تنزيلات متعدّدة. وإنّما الكلام في معقوليّة القيام مقام الجميع ، والتنزيل منزلة ذلك الجميع بعبارة واحدة مثل عبارة : «نزّلت الظنّ منزلة القطع».
ثمّ بعد الفراغ عن المعقوليّة يبحث في مقام الإثبات عن مؤدّى أدلّة التنزيل ، وأنّه تفيد أيّ مقدار من التنزيل؟
قد يقال : إنّ مثل عبارة «نزّلت الظن منزلة القطع» لا تتكفّل التنزيل منزلة القطع الطريقي والموضوعي جميعا ، ولا يعقل تكفّلها لهما (١) ؛ وذلك لأنّ الظنّ والقطع في أحد التنزيلين لا بدّ أن يكونان ملحوظين باللحاظ الآلي وعبرتان إلى المظنون والمقطوع ، وكان عقد التنزيل حقيقة بين المظنون والمقطوع ، وفي التنزيل الآخر لا بدّ أن يكونان ملحوظين باللحاظ الاستقلالي ، وكانا هما المنزّل والمنزّل عليه ، والجمع بين اللحاظين في عبارة واحدة لا يمكن ، فلا يمكن الجمع بين التنزيلين في مثل عبارة «نزّلت الظن منزلة القطع».
كما قد يقال : إنّ العبارة وأمثالها ناهضة لإثبات تنزيل الظنّ منزلة القطع في جهة كشفه ، فكلّ حكم يحوم حول جهة كشف القطع رتّب على الظنّ دون ما يحوم حول جهة صفتيّة. فالعبارة تؤدّي تنزيل الظنّ منزلة القطع الطريقي وأيضا تؤدّي تنزيله منزلة القطع الموضوعي
__________________
(١) درر الفوائد : ٣٣١ ـ ٣٣٢.