الحرج إذا كان منع المالك عن التصرّف في ملكه حرجيّا ، فيقدّم ضرر نفسه ويتصرّف في ملكه وإن تضرّر به الجار.
نعم ، إذا لم يكن في ترك التصرّف في ملكه سوى فوت النفع أو لم يفت النفع أيضا بل أراد التصرّف تشهّيا لم يكن من جانبه إلّا دليل نفي الحرج ، ويعارض به دليل نفي ضرر الجار ، وبعد التساقط كان المرجع دليل السلطنة واستصحاب جواز تصرّف الشخص في ملكه ؛ وذلك أنّ دليل نفي الضرر والحرج في مرتبة واحدة حاكمان على الأدلّة الواقعيّة التي منها دليل السلطنة ؛ فبسقوطهما عن الاعتبار يرجع دليل السلطنة إلى الاعتبار ، إلّا أن يناقش في سند دليل السلطنة فيتعيّن الأصل للمرجعيّة.
وقد جرى بناء الفقهاء فيما إذا كان أحد الضررين واردا إلى الغاصب والآخر إلى المغصوب منه ـ كلوح غصبه فأثبته في جداره أو سفينته أو دينار ألقاه في محبرته ـ على تقديم ضرر المغصوب منه ، فينفى ضرره دون ضرر الغاصب وإن بلغ ما بلغ ؛ ففي المثال يجب هدم الدار وكسر المحبرة لردّ مال غيره.
نعم ، خالف بعض في لوح السفينة وهي في البحر فأثبت بدل الحيلولة للمالك حتّى تصل السفينة إلى ساحل البحر معلّلا في ذلك بقاعدة الإقدام ، وبأنّه «ليس لعرق ظالم حقّ» (١) وأنّ الغاصب يؤخذ بأشقّ الأحوال.
وفي كلّ الوجوه نظر ؛ إذ لم يرد نصّ على الأخير ، والوسط مسلّم إلّا أنّ الكلام في أنّه هل يجوز قلع عرقه وإن لزم ما لزم ، أو يجب سدّ ما يحصل من الضرر بالقطع بدفع الأرش ومع عدم القلع يستحقّ الأجرة؟ وأمّا الوجه الأوّل ، فواضح أنّ الغاصب لم يقدم على ضرر نفسه. نعم ، اختيار مقدّمات توجّه الحكم الضرري ، وقد تقدّم عدم الفرق في شمول دليل نفي الضرر بين أن تكون مقدّمات الضرر حاصلة بالقهر أو بالاختيار.
فالعمدة في المسألة الإجماع إن لم يكن مدركه الوجوه التي ضعّفناها ، والمروي عن أمير المؤمنين عليهالسلام : «أنّ الحجر المغصوب في الدار رهن على خرابها» (٢).
__________________
(١) التهذيب ٦ : ٢٩٤ / ٨١٩ و ٧ : ٢٠٦ / ٩٠٩ ؛ وسائل الشيعة ٢٥ : ٣٨٨ كتاب الغصب ، ب ٣ ، ح ١ و ١٩ : ١٥٧ كتاب الإجارة ، ب ٣٣ ، ح ٣.
(٢) نهج البلاغة : ٧٠٢ حكمة ٢٤٠ ؛ وسائل الشيعة ٢٥ : ٣٨٦ كتاب الغصب ، ب ١ ، ح ٥.