ولعلّ هذا المقدار من الذمّ واللوم يوجّه على مرتكبي المعاصي في عالم الرؤيا ؛ لكشف ذلك عن أنّ الفاعل غير مكترث عن المعاصي في عالم اليقظة ، وإن كان في الملازمة تأمّلا.
ودعوى أنّ الإتيان بمقطوع الحرمة هتك للمولى بما أنّه تجرّى عليه ، يدفعها أنّ ذلك من توهّم الهتك لا واقعه ، وكيف يهتك بما هو راض به.
وأمّا الحرمة الشرعيّة فتحتاج إلى دليل ، ولم يدلّ عليها شيء من الأدلّة السمعيّة ، والدليل العقلي قد عرفت ما فيه.
وربما يقال ـ في سند منع التحريم ـ : إنّ الفعل بعنوان مقطوع الحرمة خارج عن تحت الاختيار ؛ لأنّ القاطع غير ملتفت إلى قطعه فكيف يتّصف بالحرمة؟! بل ربما يزاد على ذلك أنّ الفعل المتجرّى به بذاته خارج عن الاختيار من غير لحاظ عنوان خاصّ.
نعم ، ذلك في بعض أقسام التجرّي لا جميع أقسامه ، وهو التجرّي الحاصل في موارد الشبهات الموضوعيّة ، كما إذا شرب خلّا بزعم أنّه خمر ؛ فإنّ القصد تعلّق بعنوان الخمر وليس ، والذي هو أيس ـ أعني عنوان الخلّ أو عنوان مطلق المائع ـ لم يتعلّق به القصد.
ويردّ الأوّل ، أوّلا : منع عدم التفات القاطع إلى قطعه ، بل قطعه حاضر لديه ومشاهد عنده بذاته لا بقطع آخر ، وإنّما الأمور الخارجيّة تحضر بصورها في الذهن دون الأمور الذهنيّة.
وثانيا : كفى في جواز الحكم على الشيء بعنوان التفات المكلّف إلى الحكم ولو بعنوان آخر ، ولا يلزم الالتفات إليه بعنوان الذي حكم عليه. مثلا إذا اعتقد المكلّف حرمة فعل بعنوان أنّه غناء ، وكان محرّما واقعا بعنوان التصنيف كان ذلك كافيا في ثبوت التحريم. كذلك المقام إذا اعتقد المكلّف حرمة مائع بعنوان أنّه خمر فبان أنّه محرّم بعنوان أنّه مقطوع الحرمة كفى ذلك في تنجزّ الحكم.
والسرّ في ذلك هو أنّ اعتبار الالتفات إنّما هو لأجل حصول الانبعاث ، وهذا يحصل في موارد الاشتباه الموضوعي مع الإصابة في أصل اعتقاد الحكم. فللمولى أن يحرّم الفعل بعنوان إذا رأى أنّ العبد معتقد بالتحريم بعنوان آخر ، ولا يلزمه التنبيه على العنوان الواقعي.
ويردّ الثاني : أنّ مناط اختياريّة الفعل كون الفعل صادرا عن مبدأ العلم والإرادة ، مقابل الاضطراري الصادر فيه الفعل لا عن هذا المبدأ. والعلم الباعث للعمل علمان : كبروي وصغروي ، فإذا علم بوجوب إكرام العالم ، ثمّ علم بأنّ هذا عالم ، حرّكه ذلك نحو العمل وكان