صفوان بن يحيى ، عن إسحاق بن عمّار قال : قال لي أبو الحسن الأوّل عليهالسلام : «إذا شككت فابن على اليقين» ، قال : قلت : هذا أصل؟ قال : «نعم» (١).
أقول : قد تقدّم معنى الأخذ باليقين ، وأنّ معناه الحقيقي هو الأخذ بالمقدار المتيقّن من كلّ شيء ، وترك الزائد على ذلك المقدار وهو خلاف الاستصحاب ؛ فإنّ مقتضى ذلك الحكم بعدالة زيد بمقدار ما تيقّنّا بعدالته وفي المقدار الآخر المشكوك ، البناء على عدم العدالة. ويكون ذلك في المردّد بين الأقلّ والأكثر من الكمّ المنفصل كعدد ركعات الصلاة بالأخذ بجانب الأقلّ ورفض الأكثر وفرضه كأن لم يقع.
فهذه الرواية كسابقتها دليل على عدم اعتبار الاستصحاب ، لكنّك عرفت أنّ الصحيحتين الأوليين تشرح هاتين ، وتوسّع في موضع الأخذ بالمتيقّن بما يعمّ الجري على اليقين السابق في زمان الشكّ.
روى الصدوق في الخصال عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ، عن القاسم بن يحيى ، عن جدّه الحسن بن راشد ، عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم جميعا ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، عن آبائه عليهمالسلام عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنه علّم أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب ممّا يصلح للمسلم في دينه ودنياه. قال : قال : «من كان على يقين فشكّ فليمض على يقينه ، فإنّ الشكّ لا ينقض اليقين» (٢).
وروي عنه عليهالسلام : «من كان على يقين فأصابه شكّ فليمض على يقينه ؛ فإنّ اليقين لا يدفع بالشكّ» (٣).
وهذه الرواية بظهورها في تقدّم اليقين وتأخّر الشكّ وبظهورها في اتّحاد متعلّقيها اتّحادا حقيقيّا لا مسامحيّا متعلّقا أحدهما بحدوث شيء والآخر باستمراره وبظهور كلمة النقض في النقض الحقيقي الذي هو عبارة عن رفع اليد عن نفس ما كان على يقين منه لا عن استمراره ظاهرة في قاعدة اليقين ، فتكون أجنبيّة عن المقام ، وظهور بقيّة الأخبار في الاستصحاب لا يكون صارفا لهذه ، فلعلّ كلتا القاعدتين حجّتان معتبرتان.
__________________
(١) الفقيه ١ : ٢٣١ / ١٠٢٥ ؛ وسائل الشيعة ٨ : ٢١٢ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٨ ، ح ٢.
(٢) الخصال : ٦١٩ ؛ وسائل الشيعة ١ : ٢٤٧ أبواب نواقض الوضوء ، ب ١ ، ح ٦.
(٣) الإرشاد : ١٥٩ ؛ مستدرك الوسائل ١ : ٢٢٨ أبواب نواقض الوضوء ، ب ١ ، ح ٤.