الجنابة الأولى ، فلعلّ الجنابة الحاصلة بهذا المنيّ هي تلك الجنابة الأولى التي تخلّل بينها وبين زمان الشكّ اليقين بالطهارة ، ومعه كيف يسوغ الاستصحاب والحال أنّ الاتّصال بين الزمانين معتبر في صدق النقض والبقاء؟!
أو يقال : إنّ الاستصحاب المذكور معارض باستصحاب الطهارة الحاصلة عقيب الجنابة الأولى ، لكن اللازم حينئذ بعد تساقط الأصلين هو تحصيل القطع بالطهارة بحكم «لا صلاة إلّا بطهور» (١).
تنبيه : لا يخفى أنّ استصحاب عدم التذكية من زمان الحياة إلى زمان زهوق الروح من قبيل استصحاب الشخص دون الكلّي ؛ فإنّ العدم المستمرّ مع الحالات الوجوديّة ـ وإن عدّ الوجودات المتقارنة لهذا العدم ـ وجودات متعدّدة متبادلة ، فعدم العلم الثابت في حقّ زيد عدم واحد مستمرّ من ابتداء زمان وجوده إلى منتهى هرمه ، فليس الحياة وزهوق الروح مصداقين متبادلين لهذا العدم كي يكون استصحاب العدم مع تبادل مصداقيه من قبيل استصحاب الكلّي القسم الثالث. وكيف يعقل أن يكون الموجود مصداقا للعدم؟
نعم ، تبقى شبهة عدم بقاء الموضوع ، وتندفع الشبهة بأنّ الحياة والممات بالنسبة إلى هذا العدم من الحالات ، كما بالنسبة إلى جواز النظر إلى بدن الزوجة ميّتا كجوازه حيّا.
وهناك شبهة ثالثة وهي أنّ الأصالة المذكورة لا تثبت كون الحيوان ميتة الظاهر في الموت حتف الأنف.
وهذه الشبهة مبنيّة على أن تكون الحرمة والنجاسة مرتّبتين على عنوان الميتة كما هو ظاهر قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً)(٢) وكانت الميتة أمرا وجوديّا. أمّا إذا كانتا مرتّبتين على عنوان غير المذكّى إمّا بحمل الميتة في هذه الآية على ذلك بقرينة قوله تعالى في الآية الاخرى : (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ)(٣) أو بإلحاقه حكما بالميتة فيتصرّف في حصر الآية الأولى أو كانت الميتة هو غير المذكّى فلا إشكال.
__________________
(١) مرّ تخريجه في ص ٣٤١.
(٢) الأنعام (٦) : ١٤٥.
(٣) المائدة (٥) : ٣.