فاعرضوهما على أخبار العامّة ، فما وافق أخبارهم فذروه وما خالف أخبارهم فخذوه» (١).
وبهذا الحديث يحصل الجمع بين الطائفتين من الأخبار ، فيقيّد أخبار الترجيح بمخالفة العامّة بصورة عدم وجود المرجّح الكتابي.
ثمّ إذا أخذنا الترجيح بالشهرة من مقبولة عمر بن حنظلة كانت المرجّحات ثلاثا. ولا يبعد تقديم الترجيح بها على الترجيح بهذين قضاء النفي الريب عن المجمع عليه ، فكأنّه لا تعارض ، بل هذا هو الواقع الذي لا ريب فيه.
أقول : الذي يظهر من رواية الحسن بن الجهم ـ عن الرضا عليهالسلام قال : قلت له : تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة ، فقال : «ما جاءك عنّا فقس على كتاب الله تعالى وأحاديثنا ، فإن كان يشبهها فهو منّا ، وإن لم يكن يشبهها فليس منّا» قلت : يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ، ولا نعلم أيّهما الحقّ؟ قال : «فإذا لم تعلم فموسّع عليك بأيّهما أخذت» (٢). إنّ أخبار الترجيح لتعيين الحجّة عن اللاحجّة في موضوع عدم وثاقة الراوي ، فتكون موافقة الكتاب أحد الجهات الموجبة لحجّيّة الرواية ، والجهة الاخرى مخالفة العامّة. وقد ورد الأمر في رواية ابن أسباط في مورد عدم المفتي من الشيعة بإتيان فقيه البلد واستفتائه ثمّ الأخذ بخلاف ما أفتى به (٣). والجهة الثالثة وثاقة الراوي.
ففي مادّة التعارض إن كانت الحجّيّة بإحدى الجهتين الأوليين لم يكن إشكال ؛ فإنّه يأخذ الحجّة ويترك اللاحجّة ، وإن كانت بالجهة الثالثة وكانت تلك الجهة مشتركة في الروايتين كان الحكم هو التخيير ، وقد تقدّم تفسير التخيير. وعلى ذلك كان الحكم في مادّة التعارض المبحوث عنه الذي هو مع وثاقة الراوي هو التخيير مطلقا بما قدّمناه من التفسير.
اعلم أنّه ورد في بعض الأحاديث الأمر بأحدث الروايتين صدورا في مورد التعارض ، بل هذا هو مقتضى القاعدة من غير حاجة إلى ورود التعبّد به كما فهمه الراوي أيضا في روايته (٤) ، لكن لم أجد من أفتى به ، بل استظهر صاحب الوسائل من الأخبار اختصاص هذا
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١١٨ أبواب صفات القاضي ب ٩ ، ح ٢٩.
(٢) الاحتجاج : ٣٥٧ ؛ وسائل الشيعة ٢٧ : ١٢١ أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٤٠.
(٣) وسائل الشيعة ٢٧ : ١١٥ أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٢٣.
(٤) الكافي ١ : ٥٣ / ٨ ؛ وسائل الشيعة ٢٧ : ١٠٩ أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٧.