الأوّل : أنّ جعل الحجّيّة ، ليس بجعل مؤدّيات الأمارات حتّى يلزم من هذا الجعل ـ منضمّا إلى جعل الأحكام الواقعيّة في موارد الخطأ ـ تحليل الحرام وتحريم الحلال وكذا باقي المحاذير ، وإنّما هو بجعل نفس الحجّيّة ؛ فإنّها بنفسها قابلة للجعل كالملكيّة والزوجيّة والوكالة والوصاية.
نعم ، تجتمع الحجّيّة على الحرام مع الحلال أو الحجّيّة على الحلال مع الحرام ، وهذا لا مانع منه ، وليس من تحليل الحرام وتحريم الحلال.
فالحجّيّة جعليّة وانجعاليّة ، فالانجعاليّة للقطع وللظنّ في ظرف الانسداد على الحكومة للأمارات. والكلّ موضوع لحكم العقل بوجوب المتابعة والمنجّزيّة والمعذّريّة ، فكما أنّ الحجّيّة الانجعاليّة تجتمع مع الحكم الواقعي على الخلاف ـ كما في قطع أخطأ ـ كذلك الحجّيّة الجعليّة ، فلا يلزم محذور سوى تفويت المصلحة والإلقاء في المفسدة ، وذلك يندفع بثبوت مصلحة في الجعل يتدارك بها ذلك (١).
ويردّه أوّلا : أنّا لا نعقل لجعل الحجّيّة معنى سوى جعل الأحكام التكليفيّة وجعل وجوب المتابعة ، وكذا في أخواتها من الولاية والوكالة والوصاية ، فإنّ كلّ ذلك يرجع إلى الإذن في التصرّف.
وثانيا : أنّ هذا ـ إن تمّ ـ يختصّ بالأمارات ولا يجري في الأصول ، إلّا على مذهب من يرى جعل الأصول أيضا بمعنى جعل حجّيّتها بلا جعل أحكام ظاهريّة في موردها ، لكن المجيب لا يلتزم بذلك.
وثالثا : أنّ الالتزام المذكور لا يدفع المحذور ؛ فانّ جعل الحجّيّة تشارك جعل الأحكام في المحذور ؛ للزوم متابعة الحجّة عقلا. فيلزم من جعل الحكم مع جعل الحجّة على خلافه اجتماع الطلبين العقليّين على جانبي النقيض ـ أعني وجوب الفعل لكونه مطلوبا وجواز تركه لقيام الحجّة على عدم الوجوب ـ وهذا نظير أن يطلب الفعل ، ثمّ يوعّد بالعقاب عليه. وحيث إنّ القطع حجّيّة ليس بجعل من الشارع ، فليس حكم العقل بوجوب المتابعة فيه مستندا إلى الشارع حتّى لا يجتمع مع إرادته الفعليّة على الخلاف.
__________________
(١) كفاية الأصول : ٢٧٧.