فاعلم أنّك إن تأمّلت كيفيّة عمل العقلاء في الأخذ بالظواهر لرأيت أنّهم لا يتعبّدون بالظهور ، بل إنّما يعملون بالظهور بمناط حصول الاطمئنان فلولاه لا يعملون ، بل كثيرا ما لا يشكّون في مراد المتكلّم ولا يحتملون الخلاف إن لم يشكّك في ذلك مشكّك.
والشاهد على ما ذكرناه : أنّهم لا يعملون بظاهر كلام من يكثر منه التجوّز والكناية مع إخفاء القرينة كالأدباء الظرفاء. فليس مدار عمل العقلاء على الظهور ، بل على ما لو حصل من أيّ سبب لعملوا به.
نعم ، هذا فيما يتداولونه من المخاطبات ممّا يرجع إلى مقاصد أنفسهم ، أمّا ما يرجع إلى مقصد المتكلّم ـ كالمولى في تكاليفه ، وكالموكّل والموصي ، ونحو ذلك ـ فالظاهر أنّ بناءهم على التعبّد بكلمات هؤلاء في استكشاف مراداتهم والاحتجاج عليهم ، من غير مراعاة للظنّ ـ فضلا عن الاطمئنان ـ ومن غير مراعاة لعدم الظنّ بالخلاف.
والسرّ في ذلك أنّ الأخذ بظاهر كلام المتكلّم واتّباع ظواهر ألفاظه مقصود آخر للمتكلّم وراء مقاصده الواقعيّة ، فظواهر ألفاظه مقاصد طريقيّة قد اتّخذها سلّما وطريقا يسلك به إلى مقاصده الواقعيّة ، فالوظيفة سلوك طريق نصبه الشارع ـ إن أوصل إلى الواقع أو لم يوصل ـ ولا يجب رعاية الظنّ بالإيصال ، فضلا عن الاطمئنان به.
وقد قلنا : إنّ الأوامر الامتحانيّة غير المنبعثة من الإرادات الواقعيّة واجبة الإنفاذ ، فإنّها بعنوان ثانوي وبعنوان تنفيذ كلمة المولى تحت إرادة واقعيّة. نعم ، فيما لم تكن مطلوباته حتّى بهذا العنوان ـ كالأوامر الصادرة في مقام التقيّة ـ لم يجب إطاعتها.
وبالجملة : إذا كان تنفيذ ظاهر العبارة مطلوبا للمتكلّم ، وجب إنفاذ ظاهر عبارته بلا حالة منتظرة وبلا ترقّب وجود واقع على طبقه ؛ فإنّ هذا بنفسه واقع ، إن كان هناك واقع آخر أم لا؟!
فصار المتحصّل أنّ مدار العمل إن كان على الواقع وكان أخذ الظهور بما أنّه طريق محض إليه اعتبر كشف الظهور عنه كشفا اطمئنانيّا ، وإن كان مدار العمل على نفس الظهور ـ ولو لحكمة صدفته للواقع غالبا ـ لم يعتبر وراء نفس الظهور شيء. وباب الإطاعة لأوامر الموالى من هذا الأخير ، فلهذا لا يعتبر في الأخذ بظواهر عبائر المولى الظنّ ، بل ولا يضرّ الظنّ بالخلاف.
الثاني : في اختصاص حجّيّة الظواهر بالمقصودين إفهامهم وعدمه.