فاعلم أنّ مدار عمل العقلاء ومحور حركاتهم في باب الظواهر على كلمتين ـ إن اجتمعتا عملوا ، وإلّا لم يعملوا ـ والكلمتان عبارتان عن قبح إرادة خلاف الظاهر مع تعمّد ترك القرينة على ذلك ، وكون الأصل عدم الترك غير العمدي وعدم غفلة السامع في سماعه.
والكلمة الأخيرة ـ أعني أصالة السهو والغافلة من كلّ من السامع والمتكلّم ـ وإن عمّت غير المقصودين إفهامهم ـ على إشكال لنا أيضا في ذلك ما لم يحصل الاطمئنان بالعدم ـ إلّا أنّ الكلمة الأولى خاصّة تختصّ بمن قصد إفهامه ؛ إذ لا قبح في إخفاء القرينة عمّن لم يقصد إفهامه كإخفاء أصل الكلام.
ومن هنا يأتي القول باختصاص اعتبار الظواهر بالمقصودين إفهامهم ، كانوا هم المخاطبين أم لا. وأمّا ما يرى من بناء أبناء المحاورة على الأخذ بالظواهر ـ وإن لم يكونوا من المقصودين إفهامهم ـ فذلك مختصّ بما إذا حصل لهم الاطمئنان على عدم اعتماد المتكلّم على قرينة أخفاها عن غير المخاطب ، وكان هذا هو تمام ما خاطب به ، وأمّا في غير ذلك فأخذهم بالظهور ممنوع.
فظهور خطاب المولى حجّة تعبّديّة بالنسبة إلى المقصودين إفهامهم ، وحجّة بمناط إفادة العلم أو الاطمئنان بالمراد بالنسبة إلى غيرهم ، كما أنّ اتّباع ظواهر سائر الخطابات أيضا بهذا المناط. فالتعبّد مختصّ بالمقصودين إفهامهم ، وبالنسبة إلى مقاصد نفس المتكلّم دون غير ذلك.
الثالث : في حجّيّة ظواهر القرآن.
والمنسوب إلى الأخباريّين عدم الحجّيّة ما لم يرد تفسيره من أهل البيت عليهمالسلام. وأمّا دعوى عدم الظهور فذلك مصادم للوجدان ، وأيضا يوجب خروج الكتاب عن كونه منزلا على وجه الإعجاز.
ويمكن الاستدلال على ذلك بوجوه :
الأوّل : أنّ الكتاب مشتمل على مطالب غامضة دقيقة لا تصل إليها الأفهام العاديّة ؛ فإنّ الكتب العلميّة مع أنّ كلّها من قبيل الظواهر والنصوص لا تصل إليها الأفهام من غير سبيل تعليم المعلّم ، فكيف بالكتاب العزيز؟! ومعلّم الكتاب هم الأئمّة الهداة ، فإن ورد منهم تعليم فهو ، وإلّا يتوقّف ولا يؤخذ بما يفهم من ظاهره في بدو النظر.