ومنها : أنهم استعجلوا وقوع العذاب بهم فاستحقوه من وجهين : أحدهما الشرط عليهم في قوله : (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ) وفي آية «عظيم» وفي الأخرى «أليم» والكل حق. والثاني استعجالهم على ذلك.
ومنها أنهم كذبوا الرسول الذي قام الدليل القاطع على نبوته وصدقه ، وهم يعلمون ذلك علما جازما ، ولكن حملهم الكفر والضلال والعناد على استبعاد الحق ووقوع العذاب بهم ، قال الله تعالى : (فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ، ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ).
وذكروا أنهم لما عقروا الناقة كان أول من سطا قدار بن سالف ، لعنه الله ؛ فعرقبها فسقطت إلى الأرض ، ثم ابتدروها بأسيافهم يقطعونها فلما عاين ذلك سقبها ـ وهو ولدها ـ شرد عنهم فعلا أعلى الجبل هناك ، ورغا ثلاث مرات.
فلهذا قال صالح : تمتعوا في داركم ثلاثة أيام» أي غير يومهم ذلك ، فلم يصدقوه أيضا في هذا الوعد الأكيد. بل لما أمسوا هموا بقتله وأرادوا ـ فيما يزعمون ـ أن يلحقوه بالناقة. (قالُوا تَقاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ) أي لنسكنه في داره مع أهله فلنقتلنه ، ثم نجحدن قتله ولننكرن ذلك إن طالبنا أولياؤه بدمه. ولهذا قالوا : (ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ)
[٢٧ / النمل : ٤٩].
* * *
قال الله تعالى : (وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ* فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ* فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ* وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ)
[١٧ / النمل : ٥٠ ـ ٥٣]
وذلك أن الله تعالى أرسل على أولئك النفر الذين قصدوا قتل صالح حجارة رضختهم فأهلكهم سلفا وتعجيلا قبل قومهم ، وأصبحت ثمود يوم الخميس ـ وهو اليوم الأول من أيام النظرة ـ ووجوههم مصفرة ، كما أنذرهم صالح عليهالسلام فلما أمسوا نادوا بأجمعهم : ألا قد مضى يوم من الأجل ثم أصبحوا في اليوم الثاني من أيام التأجيل وهو يوم الجمعة ـ ووجوههم محمرة ، فلما أمسوا نادوا : ألا قد مضى يومان من الأجل. ثم أصبحوا في اليوم الثالث من أيام المتاع وهو يوم السبت ـ ووجوههم مسودة ، فلما أمسوا نادوا : ألا قد مضى الأجل.
فلما كانت صبيحة يوم الأحد تحنطوا وتأهبوا وقعدوا ينتظرون ماذا يحل بهم من العذاب والنكال والنقمة ، لا يدرون كيف يفعل بهم! ولا من أي جهة يأتيهم العذاب.
فلما أشرقت الشمس جاءتهم صيحة من السماء من فوقهم ، ورجفة من أسفل منهم ، ففاضت الأرواح وزهقت النفوس ، وسكنت الحركات ، وخشعت الأصوات ، وحقت الحقائق ، فأصبحوا (١)
__________________
(١) و : أصبحوا.