وقوله : «أمة» أي قدوة إماما مهتديا داعيا الى الخير ، يقتدى به فيه (قانِتاً لِلَّهِ) أي خاشعا له في جميع حالاته وحركاته وسكناته ، (حَنِيفاً) أي مخلصا على بصيرة ، (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* شاكِراً لِأَنْعُمِهِ) أي قائما بشكر ربه بجميع جوارحه من قلبه ولسانه وأعماله ، (اجْتَباهُ) أي اختاره الله لنفسه واصطفاه لرسالته. واتخذه خليلا ، وجمع له بين خيري (١) الدنيا والآخرة.
وقال تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً)
[٤ / النساء : ١٢٥]
يرغب تعالى في اتباع إبراهيم عليهالسلام ؛ لأنه كان على الدين القويم والصراط المستقيم ، وقد قام بجميع ما أمره به ربه ، ومدحه تعالى بذلك فقال : (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) ولهذا اتخذه الله (٢) خليلا ، والخلة هي غاية المحبة كما قال بعضهم :
قد تخللت مسلك الروح مني |
|
وبذا سمي الخليل خليلا |
وهكذا نال هذه المرتبة (٣) خاتم الأنبياء وسيد المرسلين (٤) محمد صلوات الله وسلامه عليه ، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث جندب البجلي وعبد الله بن عمرو وابن مسعود عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «أيها الناس ، إن الله اتخذني خليلا».
وقال أيضا في آخر خطبة خطبها : «أيها الناس لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن صاحبكم خليل الله» (٥).
أخرجاه من حديث أبي سعيد.
وثبت أيضا من حديث عبد الله بن الزبير وابن عباس وابن مسعود. وروى البخاري في صحيحه : حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا شعبة ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن عمرو بن ميمون ، قال : إن معاذا لما قدم اليمن صلى بهم الصبح فقرأ : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) فقال رجل من القوم : لقد قرت عين أم إبراهيم!
وقال ابن مردويه : حدثنا عبد الرحيم بن محمد بن مسلم ، حدثنا إسماعيل بن أحمد بن أسيد ، حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني بمكة ، حدثنا عبد الله الحنفي ، حدثنا زمعة بن
__________________
(١) و : خير.
(٢) و : واتخذه الله خليلا.
(٣) م : المنزلة.
(٤) م : الرسل.
(٥) الحديث رواه البخاري في رواية طويلة (٦٣ / ٤٥ / ١٩٠٤ / فتح) ، (٦٢ / ٥ / ٣٦٥٦ ، ٣٦٥٧ ، ٣٦٥٨ / فتح). ورواه الدارمي في سننه (٢١ / ١١ / ٢٩١٣ / مصر). ورواه ابن ماجه في سننه (مقدمة / ١١ / ٩٣). وأحمد في مسنده (١ / ٢٧٠ ، ٣٥٩) ، (٣ / ١٨ ، ٤٧٨) ، (٤ / ٤) ، (٥ / ٢١٢). ورواه الترمذي في سننه (٥٠ / ١٤ / ٣٦٥٥).
ورواه مسلم (٤٤ / ١ / ٢ / ٧).