فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا يحيى ، عن سفيان ؛ حدثني مغيرة بن النعمان ؛ عن سعيد بن جبير ؛ عن ابن عباس ؛ عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «يحشر الناس عراة غرلا ؛ فأول من يكسى إبراهيم عليهالسلام» ثم قرأ : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ)(١) فأخرجاه في الصحيحين من حديث سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج ؛ كلاهما عن مغيرة بن النعمان النخعي الكوفي ؛ عن سعيد بن جبير ؛ عن ابن عباس به.
وهذه الفضيلة المعينة لا تقتضي الأفضلية بالنسبة إلى ما قابلها مما ثبت لصاحب المقام المحمود ؛ الذي يغبطه به الأولون والآخرون.
وأما الحديث الآخر الذي قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع وأبو نعيم ؛ حدثنا سفيان ـ هو الثوري ـ عن مختار بن فلفل (٢) ؛ عن أنس بن مالك ؛ قال : قال رجل للنبي صلىاللهعليهوسلم :
يا خير البرية. فقال : «ذاك إبراهيم» (٣) فقد رواه مسلم من حديث الثوري وعبد الله بن إدريس ؛ وعلي بن مشهر ومحمد بن فضيل ؛ أربعتهم عن المختار بن فلفل.
وهذا (٤) من باب الهضم والتواضع مع والده الخليل عليهالسلام. كما قال : «لا تفضلوني على الأنبياء» وقال : «لا تفضلوني على موسى ؛ فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق ، فأجد موسى باطشا بقائمة العرش ؛ فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور؟»
وهذا كله لا ينافي ما ثبت بالتواتر عنه صلوات الله وسلامه عليه من أنه سيد ولد آدم يوم القيامة. وكذلك حديث أبي بن كعب في صحيح مسلم : «وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلى الخلق كلهم حتى إبراهيم».
ولما كان إبراهيم عليهالسلام أفضل الرسل وأولى العزم بعد محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ؛ أمر المصلي أن يقول في تشهده ، ما ثبت في الصحيحين من حديث كعب ابن عجوة وغيره ؛ قال : قلنا يا رسول الله ؛ هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك؟ قال :
__________________
(١) الحديث رواه البخاري (٦٠ / ٨ / ٣٣٤٩ ـ فتح). ورواه مسلم في صحيحه (٥١ / ١٤ / ٥٨). ورواه الترمذي في سننه (٣٨ / ٣ / ٢٤٢٣). ورواه أحمد في مسنده (٥ / ٣ / حلبي). وكلهم بزيادة «... ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليهالسلام. ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال. فأقول : يا رب! أصحابي.
فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول ، كما قال العبد الصالح : وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم ، فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم ، وأنت على كل شيء شهيد* إن تعذبهم فإنهم عبادك ، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم» (٥ / المائدة : ١١٧ ، ١١٨) قال فيقال لي : إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم». أ. ه.
وهكذا رواه النسائي في سننه (٢١ / ١١٩). ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده : ٢٦٣٨. ورواه ابن كثير في تفسيره (٤ / ٢٦٥ / عمدة التفاسير.
(٢) وقعت في و ، ط لفظة (بن مختار) وهذا تحريف والصواب من المسند (٣ / ١٧٨ / حلبي). وكما هو ثابت أيضا في ميزان الاعتدال (٤ / ٨٠ / حلبي) م أنه مختار بن فلفل.
(٣) الحديث صحيح رواه مسلم في صحيحه (٤٣ / ٤١ / ١٥٠). ورواه أبو داود في سننه (٣٩ / ١١٨) ورواه أحمد في مسنده (٣ / ١٧٨ ، ١٨٤) حلبي.
و : فهذا.