فعند ذلك تواثقوا على رابية هناك يقال لها «جلعاد» على أنه لا يهين بناته ، ولا يتزوج عليهن ، ولا يجاوز هذه الرابية إلى بلاد الآخر ، لا لابان ولا يعقوب ، وعملا طعاما وأكل القوم معهم وتودع كل منهما من الآخر. وتفارقوا راجعين إلى بلادهم.
فلما اقترب يعقوب من أرض «ساعير» تلقته الملائكة يبشرونه بالقدوم. وبعث يعقوب البرد إلى أخيه العيص يترفق له ويتواضع له. فرجعت البرد وأخبرت يعقوب بأن العيص قد ركب إليك في أربعمائة راجل.
فخشي يعقوب من ذلك ، ودعا الله عزوجل وصلى له ، وتضرع إليه وتمسكن لديه ، وناشده عهده ووعده الذي وعد به. وسأله أن يكف عنه شر أخيه العيص. وأعد لأخيه هدية عظيمة وهي : مائتا شاة ، وعشرون تيسا ومائتا نعجة ، وعشرون كبشا ، وثلاثون لقحة ، وأربعون بقرة ، وعشرون من الثيران وعشرون أتانا وعشرة من الحمر. وأمر عبيده أن يسوقوا كلا من هذه الأصناف وحده. وليكن بين كل قطيع وقطيع مسافة ، فإذا لقيهم العيص فقال للأول. لمن أنت؟ ولمن هذه معك؟ فليقل :
لعبدك يعقوب ، أهداها لسيدي العيص وليقل الذي بعده كذلك وكذلك الذي بعده وكذلك الذي بعده ، ويقول كل منهم : وهو جاء بعدنا.
وتأخر يعقوب بزوجتيه وأمتيه وبنيه الأحد عشر بعد الكل بليلتين ، وجعل يسير فيهما ليلا ويكمن نهارا. فلما كان وقت الفجر من الليلة الثانية ، تبدى له ملك من الملائكة في صورة رجل ، فظنه يعقوب رجلا من الناس ، فأتاه يعقوب ليصارعه ويغالبه ، فظهر عليه يعقوب فيما يرى ، إلى أن وأصبح يعقوب الملك أصاب وركه فعرج يعقوب فلما أضاء الفجر قال له الملك : ما اسمك؟ قال : يعقوب.
قال : لا ينبغي أن تدعى بعد اليوم إلا إسرائيل. فقال له يعقوب : ومن أنت؟ وما اسمك؟
فذهب عنه. فعلم أنه ملك من الملائكة ، وأصبح يعقوب وهو يعرج من رجله. فلذلك لا يأكل بنو إسرائيل عرق النساء!
ورفع يعقوب عينيه فإذا أخوه العيص قد أقبل في أربعمائة راجل ، فتقدم أمام أهله. فلما رأى أخاه العيص سجد له سبع مرات ، وكانت هذه تحيتهم في ذلك الزمان. وكان مشروعا لهم ؛ كما سجدت الملائكة لآدم تحية له وكما سجد أخوة يوسف وأبوه له كما سيأتي.
فلما رآه العيص تقدم إليه واحتضنه وقبله وبكى ، ورفع العيص عينيه ونظر إلى النساء والصبيان فقال : من أين لك هؤلاء؟ فقال : هؤلاء الذين وهب الله لعبدك ، فدنت الأمتان وبنوهما فسجدوا له. ودنت «ليا» وبنوها فسجدوا له. ودنت «راحيل» وابنها يوسف فخرا سجدا له. وعرض عليه أن يقبل هديته وألح عليه فقبلها.
ورجع العيص فتقدم أمامه ، ولحقه يعقوب بأهله وما معه من الأغنام والمواشي والعبيد قاصدين جبال «ساعير».