ثم قال لهم محرضا على تطلب يوسف وأخيه ، وأن يبحثوا عن أمرهما : (يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ ، إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) أي لا تيأسوا من الفرج بعد الشدة ، فإنه لا ييأس من روح الله وفرجه ، وما يقدره من المخرج في المضايق ، إلا القوم الكافرون.
(فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ* قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ* قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ* قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ* قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ* اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ.)
[١٢ / يوسف : ٩٤ ـ ٩٨]
يخبر تعالى عن رجوع إخوة يوسف إليه وقدومهم عليه ، ورغبتهم فيما لديه من الميرة ، والصدقة عليهم برد أخيهم بنيامين إليهم : (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ) أي من الجدب وضيق الحال وكثرة العيال ، (وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ) أي ضعيفة لا يقبل مثلها منا إلا أن تتجاوز عنا. قيل كانت دراهم رديئة ، وقيل قليلة ، وقيل حب الصنوبر وحب البطم ونحو ذلك. وعن ابن عباس : كانت حلق الغرائر والحبال ونحو ذلك.
(فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ). قيل بقبولها ، قاله السدي.
وقيل برد أخينا إلينا ، قاله ابن جريج. وقال سفيان بن عيينة : إنما حرمت الصدقة على نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم ونزع بهذه الآية. رواه ابن جرير.
فلما رأى ما هم فيه من الحال وما جاءوا به مما لم يبق عندهم سواء من ضعيف المال ، تعرف عليهم وعطف عليهم ، قائلا لهم عن أمر ربه وربهم ، وقد حسر لهم عن جبينه الشريف ، وما يحويه من الحال الذي يعرفون فيه :
(هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ).
«قالوا» وتعجبوا كل العجب ، وقد ترددوا إليه مرارا عديدة وهم لا يعرفون أنه هو :
(أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ).
(قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي). يعني أنا يوسف الذي صنعتم معه ما صنعتم ، وسلف من أمركم فيه ما فرطتم. وقوله : (وَهذا أَخِي) تأكيدا لما قال ، وتنبيها على ما كانوا أضمروا لهما من الحسد ، وعملوا في أمرهما من الاحتيال. ولهذا قال : (قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا) أي بإحسانه إلينا وصدقته علينا ، وإيوائه لنا وشده معاقد عزنا ، وذلك بما أسلفنا من طاعة ربنا ، وصبرنا على ما كان