منكم إلينا ، وطاعتنا وبرنا لأبينا ، ومحبته الشديدة لنا وشفقته علينا. (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ).
(قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا) أي فضلك وأعطاك ما لم يعطنا ، (وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ) أي فيما أسدينا إليك ، وها نحن بين يديك. (قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) أي لست أعاتبكم (١) على ما كان منكم بعد يومكم هذا. ثم زادهم على ذلك فقال : (يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) ومن زعم أن الوقف على قوله (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ) وابتدأ بقوله : (الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ) فقوله ضعيف والصحيح الأول.
ثم أمرهم بأن يذهبوا بقميصه ، وهو الذي يلي جسده ، فيضعوه على عيني أبيه ، فإنه يرجع إليه بصره بعدما كان ذهب ، بإذن الله. وهذا من خوارق العادات ودلائل النبوات وأكبر المعجزات.
ثم أمرهم بأن يتحملوا بأهلهم أجمعين إلى ديار مصر ، إلى الخير والدعة وجمع الشمل بعد الفرقة ، على أكمل الوجوه وأعلى الأمور.
(وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ* قالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ* فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ* قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ* قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.)
[١٢ / يوسف : ٩٤ ـ ٩٨]
قال عبد الرزاق : أنبأنا إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، سمعت ابن عباس يقول : «فلما فصلت العير» قال : لما خرجت العير هاجت ريح ، فجاءت يعقوب بريح قميص يوسف فقال : (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ). قال : فوجد ريحه من مسيرة ثلاثة (٢) أيام. وكذا رواه الثوري وشعبة وغيرهم عن أبي سنان (٣) به.
وقال الحسن البصري وابن جريج المكي : كان بينهما مسيرة ثمانين فرسخا ، وكان له (٤) منذ فارقه ثمانون سنة.
وقوله : (لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) أي تقولون إنما قلت هذا من الفند ، وهو الخرف (٥) وكبر السن.
قال ابن عباس وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة : «تفندون» تسفهون. وقال مجاهد أيضا والحسن : تهرمون.
__________________
(١) م : أعاقبكم.
(٢) : ثمانية أيام.
(٣) و : عن أبي سعد.
(٤) و : وكان له عنه.
(٥) و : وهو الحزن.