وقال : «ما سالمناهن منذ حاربناهن» (١).
وقوله في سورة طه : (قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) هو أمر لآدم وإبليس واستتبع آدم حواء وإبليس الحية.
وقيل هو أمر لهم بصيغة التثنية كما في قوله تعالى : (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ.) [٢١ / الأنبياء ـ ٧٨]
والصحيح أن هذا لما كان الحاكم لا يحكم إلا بين اثنين مدّع ومدّعى عليه : قال : (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ).
وأما تكريره الإهباط في سورة البقرة في قوله : (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ* فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ* قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً ، فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) فقال بعض المفسرين : المراد بالإهباط الأول : الهبوط من الجنة إلى السماء الدنيا ، وبالثاني : من السماء الدنيا إلى الأرض.
وهذا ضعف لقوله في الأول : «قلنا اهبطوا منها جميعا بعضكم لبعض عدو ، ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين» فدل على أنهم أهبطوا إلى الأرض بالإهباط الأول والله أعلم.
والصحيح أنه كرره لفظا وإن كان واحدا ، وناط مع كل مرة حكما ، فناط بالأول عداوتهم فيما بينهم ، وبالثاني الاشتراط عليهم أن من تبع هداه الذي ينزله عليهم بعد ذلك فهو السعيد ، ومن خالفه فهو الشقي ، وهذا الأسلوب في الكلام له نظائر في القرآن الحكيم.
وروى الحافظ ابن عساكر عن مجاهد قال : أمر الله ملكبن أن يخرجا آدم وحواء من جواره فنزع جبريل التاج عن رأسه ، وحل ميكائيل الإكليل عن جبينه ، وتعلق به غصن ، فظن آدم أنه قد عوجل بالعقوبة ، فنكس رأسه يقول : العفو العفو ، فقال الله (٢) : أفرارا مني؟ قال : بل حياء منك يا سيدي!
وقال الأوزاعي عن حسان ـ هو ابن عطية ـ مكث آدم في الجنة مائة عام ، وفي رواية ستين عاما ، وبكى على الجنة سبعين عاما ، وعلى خطيئته سبعين عاما ، وعلى ولده حين قتل أربعين عاما.
__________________
(١) الحديث رواه البخاري في صحيحه (٥٩ / ١٤ / ٣٢٥٧ / فتح) من طريق ابن عمر ـ رواه مسلم مطولا من نفس طريق البخاري (٣٩ / ٣٦ / ٣٢٣٣). ورواه ابو داود (٢ / ٦٥٣ / حلبي) والنسائي / كتاب الجهاد ورواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (١ / ٩ ، ١٠ / ا لتحرير).
(٢) في تاريخ ابن عساكر : فقال له الله فرارا (٢ / ٣٥٢ / التهذيب)