يا بن عمران ولا ترى أنك أوتيت من العلم إلا قليلا ؛ فإن الاندلاث والتعسف من الاقتحام والتكلف. يا بن عمران لا تفتحن بابا لا تدري ما غلقه ، ولا تغلقن بابا لا تدري ما فتحه. يا بن عمران من لا تنتهي من الدنيا نهمته ، ولا تنقضي منها رغبته ومن يحقر حاله ، ويتهم الله فيما قضى له كيف يكون زاهدا (١)؟ هل يكف عن الشهوات من غلب عليه هواه؟ أو ينفعه طلب العلم والجهل قد حواه؟ لأن سعيه إلى آخرته وهو مقبل على دنياه.
يا موسى تعلم ما تعلمت لتعمل به ، ولا تتعلمه لتحدث به ، فيكون عليك بواره ، ولغيرك نوره. يا موسى بن عمران ، اجعل الزهد والتقوى لباسك ، والعلم والذكر كلامك ، واستكثر من الحسنات فإنك مصيب (٢) السيئات ، وزعزع بالخوف قلبك فإن ذلك يرضي ربك ، واعمل خيرا فإنك لا بد عامل سوءا ، وقد وعظت إن حفظت.
قال : فتولى الخضر وبقي موسى محزونا مكروبا يبكي».
لا يصح هذا الحديث ، وأظنه من صنعة زكريا بن يحيى الوقاد المصري ، وقد كذبه غير واحد من الأئمة والعجب أن الحافظ ابن عساكر سكت عنه.
وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني : حدثنا سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني ، حدثنا عمرو ابن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الحمصي ، حدثنا محمد بن الفضل بن عمران الكندي ، حدثنا بقية بن الوليد (٣) ، عن محمد بن زياد ، عن أبي أمامة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لأصحابه : «ألا أحدثكم عن الخضر؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : بينما هو ذات يوم يمشي في سوق بني إسرائيل ، أبصره رجل مكاتب ، فقال تصدق عليّ بارك الله فيك. فقال الخضر : آمنت بالله ، ما شاء الله من أمر يكون ، ما عندي من شيء أعطيه. فقال المسكين : أسألك بوجه الله لما تصدقت عليّ ؛ فإني نظرت إلى السماء في وجهك ، ورجوت البركة عندك. فقال الخضر : آمنت بالله ما عندي شيء أعطيكه ، إلا أن تأخذني فتبيعني ، فقال المسكين : وهل يستقيم هذا؟ قال : نعم ، الحق أقول لك لقد سألتني بأمر عظيم ، أما إني لا أخببك بوجه ربي ، بعني.
قال ، فقدمه إلى السوق فباعه بأربعمائة درهم ، فمكث عند المشتري زمانا لا يستعمله في شيء ، فقال له : إنك إنما ابتعتني التماس خير فأوصني بعمل ، قال : أكره أن أشق عليك ، إنك شيخ كبير ضعيف. قال : ليس تشق عليّ ، قال : فانقل هذه الحجارة. وكان لا ينقلها دون ستة نفر في يوم. فخرج الرجل لبعض حاجاته ثم انصرف وقد نقل الحجارة في ساعة ، فقال :
أحسنت وأجملت وأطقت ما لم أرك تطيقه. ثم عرض للرجل سفر ، فقال : إني أحسبك أمينا فأخلفني في أهلي خلافة حسنة ، قال : فأوصني بعمل. قال : إني أكره أن أشق عليك ، قال :
ليس تشق عليّ ، قال : فاضرب من اللبن لبيتي حتى أقدم عليك. فمضى الرجل لسفره ، فرجع وقد شيد بناؤه.
__________________
(١) و : عابدا.
(٢) و : تصيب.
(٣) بقية بن الوليد : لا يحتج به وقد سبق تعريفه والحديث ضعيف.