بالنّسبة إلى كلّ ما فى عالم الإمكان على الإحاطة.
قيل لك : لو علمت ما علّمناك من قبل علما متقنا لاستشعرت أنّ تحليل كلّ طبيعة إمكانيّة إلى ماهيّة ووجود هو بعينه مناط سراية التّكثّر إلى كلّ من ماهيّة تلك الطّبيعة ووجودها على الانفراد أيضا. أمّا الماهيّة ، فلأنّها غير متقرّرة بنفسها ، بل إنّما هى أثر الجاعل ، وقوامها وفعليّتها بجعله ، كما تبرهن فيما سلف. فلا بدّ فى اعتبار تقرّر جوهرها من لحاظ أنّها صادرة من الجاعل.
وما لم يلحظ ذلك لم يحكم أنّ هناك ماهيّة ليست هى فى حيّز جوهرها التّقرّريّة وفى حدّ حقيقتها التّصوّريّة مربوطة بالجاعل ، فيكون فى لحاظ قوام نفسها وتقرّر أصل ذاتها كثرة ما البتّة ؛ إذ يكون هذا اللّحاظ بعينه لحاظ شيء من تلقاء شيء ، فيدخل فيه مبدأ وذو مبدأ. فهناك كثرة من تلك الجهة. وأيضا هى فى نفسها غير الوجود ، ولا هى من حيث هى هى مصداق حمل الموجود. وهى من حيث هى من الجاعل مستتبع الوجود ومصداق حمل الموجود ؛ إذ الوجود يتبع التّقرّر ، وهو بالصّدور من الجاعل.
فإذن ، قد لزم التكثّر فى مرتبة تجوهرها وتقرّر ذاتها من حيث لزوم صفة تابعة غير متخلّفة ؛ إذ يصدق أنّها فى حيّز نفسها المتقرّرة شيء مستتبع لشيء آخر ، وهو صفة ؛ فيلزم الكثرة من هذه الجهة أيضا.
وأمّا الوجود ، فلأنّ حقيقته فى عالم الإمكان كون الماهيّة وصيرورتها فى الأعيان أو فى الذّهن ، فهو كون شيء ، فهو كون شيء وصيرورته ، لا كون نفسه ، فيكون فى لحاظ العقل إيّاه تكثّر لا محالة.
فإذن ، لا تقرّر بالوحدة الحقّة ولا تقدّس عن شوائب التكثّر إلاّ حيث تكون الحقيقة متقرّرة بنفسها. فلا يلحظ الغير ، وهو ما من تلقائه الحقيقة والوجود ، وهو كون نفسه ، لا كون شيء ، فلا يتصوّر الغير ، وهو ما يعرضه الوجود. فيكون الحقيقة هناك وجودا بحتا قائما بذاته ، وهو كون نفسه ، لا كون شيء ، فلا يعقل فى لحاظه تكثّر بوجه من الوجوه أصلا. فهو الفرد وما سواه زوج تركبيّ.