فكذلك. فقد ظهر أنّ المنتسبين حاصلان فى التّصوّر ومتعلّقان بالاستقبال. فأمّا أنّ إمكان العدم الاستقبالىّ لا يحصل إلاّ عند حصول الاستقبال فظنّ باطل ؛ فإنّ ذلك ليس يتوقّف على حصول الاستقبال ، بل إنّما على تصوّر الاستقبال.
<٨>إخاذة
هل بلغك حديث الأولويّة الذّاتيّة الغير بالغة حدّ الوجوب. وما يلفّق لإبطالها فقد يفسّر باقتضاء ذات الممكن رجحان أحد الطرفين بالقياس إليها على سبيل أولوية ما لائقة غير ضروريّة ، لا يخرج به الشّيء عن قضيّة الإمكان. وقد يقال : هى كون أحد الطرفين أليق بالنّسبة إلى الذّات لياقة غير واصلة إلى الضّرورة ، لا من جهة علّة خارجة ولا بعليّة من جنبة الذّات على قياس الأمر فى الواجب بالذّات. ثمّ يحاول إبطال المفسّر بإحالته فى نفسه تارة وسلب إغناء الطرف اللاّئق عن الافتقار إلى أن يكون له علّة موفّقة غير الذّات مرّة أخرى وقلّما اتّفق للمحاولين تبيان شديد أعظم من الدّعوى الفطريّة لما حوول إبطاله(١).
<٩> إضاءة تلويحيّة
عسيت بما استبان لك ، من أمر الجعل فى «المسافة الماضية» ومن حقيقة الإمكان فى هذه «المسافة» ، أن تجم بتهبّط هذا الفرض عن افق التّصوّر وتسقّطه عن مدرجة الاحتمال. أليس احتياج الماهيّة إلى الجاعل إنّما هو فى نفس حقيقتها التّصوريّة ، وإذ لا جعل ، لا ماهيّة.
وحمل الوجود عليها فى درجة ، فإنّه مفتقر إلى جعل الجاعل جوهر الماهيّة ، والوجود بنفسه مفتقر إلى نفس الماهيّة افتقار العارض اللاّحق إلى المعروض الملحوق به. والماهيّة ما لم يجعلها الجاعل أو يلحظ عدم جعله إيّاها ، لا متجوهرة ولا لا متجوهرة ، ومع عدم الجعل لا شيء يعبّر عنه بالماهيّة ، بل إنّما يقدر شيء
__________________
(١). أى : لبطلان ما حوول إبطاله. منه ، ره.