ويقال : إنّه ليس من الحقائق ، لعدم الجعل.
والإمكان لا ضرورة تجوهر الماهيّة ولا تجوهرها ، وإنّما يتّصف به ما دخل فى حيّز الجعل. وأمّا ما لم يجعل فى ظرف ما من ظروف الوجود ؛ فإنّه ليس شيء فى ذلك الظرف حتّى يصلح لإسناد مفهوم ما إليه إلاّ على التّقدير البحت. فقد كنّا أسمعناك أنّ الإمكان من اعتبارات الماهيّة والماهيّة فى أىّ ظرف هى ما جعلت. فما لم يجعل بعد ليست إلاّ ماهيّة تقديريّة. ومعنى إمكانها أنّها لو جعلت كان الإمكان من اعتبارات ذاتها المجعولة المتجوهرة.
فاحدس من ذلك : أنّ الفرق بين المعدوم الممكن والمعدوم الممتنع هو أنّ الفحص يقضى أنّ المعدوم الممكن لو انقلب فى حكم العقل من الماهيّة التّقديريّة إلى ماهيّة حقيقيّة كان الإمكان من اعتبارات تلك الماهيّة ، بخلاف الماهيّة التّقديريّة الممتنعة ؛ فإنّها وإن صارت ماهيّة حقيقيّة بحسب الفرض المستحيل ولو ألف ألف مرّة ، لم ينسلخ طباعها عن الامتناع ولم يعرض جوهرها اعتبار الإمكان بالنّسبة إلى التّقرّر واللاّتقرّر والوجود والعدم، لا أنّ المعدوم بما هو معدوم ممكن بالفعل ، أو المعدوم بما هو معدوم بالفعل موصوف بالامتناع.
فإذن ، من أىّ ماهيّة قبل الجعل حتى توضع أولويّة مفهوم ما بالقياس إليها : فإمّا أن يجوّز كون نفس الشّيء جاعل سنخ ذاته وفاعل جوهر ماهيّته ؛ ولست أحسب من فى حيّز الطباع الإنسانىّ متجشّما للإتيان به ؛ (٩٦) وإمّا أن يعدّ الحكم غنيّا عن التّبيان بعد التّشبّث على هذا الأصل. وهو أسلوب سنن الإنسانيّة. فهذا أمم القول عند من سنّ تقنين الحكمة اليمانيّة الإيمانيّة.
ولبعض من حمل عرش تقويم الفلسفة اليونانيّة من رؤساء الفلاسفة الإسلاميّة (١) قول، ليس على البعد من سبيل التحصيل ، وهو لو حصل سلسلة الوجود بلا وجوب لزم : إمّا إيجاد الشّيء نفسه ، وذلك فاحش ، وإمّا صحّة عدمه بنفسه ، وهو أفحش ؛ فبيانه أنّ الرّجحان المنبعث عن الذّات ؛ إمّا أنّه علّة مقتضية للوقوع ، فيكون الشّيء
__________________
(١). المعلم الثانى الشيخ أبو نصر محمّد بن محمّد بن طرخان الفارابي ، منه ، سلّمه اللّه.