موحد نفسه ، وإمّا أنّ سبيله أن يقع الوجود الرّاجح لا بمقتض غير الذّات ولا باقتضاء من الذّات. والشّيء ذو رجحان الوجود صحيح العدم ؛ إذ هو فى حيّز الإمكان. وليس يصلح لعليّة العدم إلاّ عدم ما هو علّة للوجود ، ولا علّة هناك للوجود. فإذن ، يكون الشّيء بنفسه صحيح العدم.
وأيضا على تقدير وجود الشّيء بالرّجحان يكون متصفا بالوجود وليس هو عينه ، لكونه ماهيّة إمكانيّة ، والذّات مبدأ رجحان الاتّصاف به ، فيكون الذّات لا محالة علّة. أليس العلّة لا يعنى بها إلاّ ما يترجّح المعلول به. فإذن يكون الشّيء علّة لاتّصاف نفسه بالوجود ؛ إذ هو غير واصل إلى حدّ الوجوب ، فيجوز عدمه مع بقاء رجحان الوجود ، وإلاّ لزم بلوغ الرّجحان حدّ الوجوب. فإذن ، قد صار العدم جائز الوقوع لا بسبب ، بل مع فرض بقاء سبب الوجود ، ولا يسع ذلك إلاّ أمّ دماغ السّفسطة ومخّ عظام الفساد.
وبالجملة (١) لمّا لم يكن الوجود ولا رجحان الوجود نفس الماهيّة ولا من جوحريّاتها الدّاخلة فى قوام ذاتها ، وكلّ ما هو خارج عن الماهيّة وعن جوهريّاتها المقوّمة لها ؛ فإنّ لحوقه بالماهيّة وعروضه لها أو اتّصافها به أو كونها هو وحمله عليها أو ما شئت فسمّه. وبالجملة ، أى : ما فرض من وجوه الارتباط بينهما ؛ فإنّه يمتنع أن يكون لا بعلّة مقتضية. فتلك العلّة إمّا نفس الماهيّة أو شيء آخر غيرها. وطباع الفطرة السّالمة عن سقم جوهر الغريزة يأبى إلاّ أن يشهد أنّ الماهيّة الباطلة الذّات باللّيسيّة الذّاتيّة لا تقتضى شيئا أصلا ، لا لنفسها الباطلة ولا لغيرها. والمعدوم لا ذات له ولا فى العدم ماهيّة متقرّرة. فإذن ، لا مستقرّ لتصوّر الأولويّة الذّاتيّة.
وحيث إنّ هذا النّظر إنّما الحاجة إليه قبل إثبات الواجب بالذّات وقبل ثبوت نفس الأمر مطلقا ، فليس لأحد أن يقول : لعلّ ممكنا ما فى وجوده العلمىّ ، أى وجوده فى علم اللّه تعالى وارتسامه فى القوى العالية ، يقتضي رجحان وجوده الخارجىّ على أنّ الوجود الذّهنىّ كالوجود الخارجىّ فى الاحتياج إلى العلّة. وأيضا
__________________
(١). قوله : «وبالجملة لما لم يكن الوجود ، الخ» هذا ما يختصّ بالمصنّف ـ أبقاه اللّه تعالى ـ ولما أخذ فيه بعض ما أخذ المحقق الطوسىّ عنوان البيان بقوله : «وبالجملة ، الخ ، شرح».