لا محالة اقتضاء مرجوحيّة الطرف المقابل أيضا على سبيل الرّجحان لمكان التّضايف. والمرجوحيّة المستلزمة للامتناع إنّما هى المرجوحيّة على سبيل اللّزوم البتّىّ ، لا المرجوحيّة على سبيل الرّجحان. كيف والمرجوحيّة لكونها على سبيل الرّجحان ليس يجب ثبوتها بالنّظر إلى الذّات ، بل يرجّح فقط. وليس أيضا ثبوتها بطرد الطرف الآخر بتّة ، بل بنحو الأليقيّة والأولويّة.
وبالجملة ، فكما الوجود يرجّح على سبيل الأولويّة فكذلك أولويّة الوجود على سبيل أولويّة الأولويّة ، وأولويّة أولويّة الوجود على سبيل أولويّة أولويّة ، الأولويّة (٩٧) وهكذا إلى أن يثبت لحاظ العقل. فالمرجوحيّة الرّاجحيّة اللاّزمة كيف تقتضى الامتناع.
فإذن ، اقتضاء رجحان الطرف الرّاجح الرّاجحيّة كيف يقتضي امتناع الطرف المرجوح الرّاجح المرجوحيّة. أليس إمكان وقوع الطرف المرجوح إمكانا ضعيفا ووقوعا مرجوحا يجده العقل ، وهو مضمّن فى اقتضاء وقوع الطرف الرّاجح اقتضاء حريّا لا بتيّا ووقوعا راجحا لا لازما.
ثمّ لو ما شاك أحد بالتّسليم ، فمن المتّضح أنّ مرجوحيّة الطرف المرجوح إنّما يقتضي امتناعه بالنظر إلى الذّات امتناعا بالقيد من حيث مرجوحيّة هذا الطرف بالنظر إليها ، أعنى بحسب أخذ المقيس إليه الذّات المحيّثة بهذه الحيثيّة ، لا الذّات من حيث هى ، أو بحسب أخذ المقيس الطرف المرجوح المحيّث بالمرجوحيّة ، لا أصل مفهوم ذلك الطرف ، وهذا امتناع بشرط الوصف الّذي هو غير الذّات ، وهو امتناع بالغير لا بالذّات ، فإنّما ما يلزم هو وجوب الطرف الرّاجح بالغير لا بالذّات ، وليس فيه خرق الفرض.
أليس وجوب ذلك الطرف بإزاء امتناع الطرف المرجوح (١) وإنّما امتناعه بحسب الوصف. فإذا كان الوصف بنفسه ممكن الانسلاب عن الذّات ، فما ظنّك بالامتناع
__________________
(١). وذلك على تقدير أن يكون الأوليّة على سبيل الأولية دون اللزوم. وحينئذ فهذا بحث راجع على ذلك التقدير. وأما إذا كان الأوليّة على سبيل اللزوم فلا يتوجه هذا البحث ، سمع.