فإذن ، ما فرض إمكانه هو لا ضرورىّ التّجوهر واللاّتجوهر ، وهو بحسب طباع الإمكان لا الذّات ولا اللاّذات ولا الماهيّة ولا اللاّماهيّة ، وفاقة ذات الممكن بحسب سنخ الحقيقة لا بحسب وصف الوجود فقط. فإذن ، الإمكان علّة اقتضاء الماهيّة فى طرفى التّقرّر واللاّتقرّر وفى طرفى الوجود والعدم جميعا إلى العلّة.
وأمّا على قواعد الفلسفة اليونانيّة فلأنّ الإمكان وإن كان هو لا ضرورة الوجود والعدم على استواء بالنّسبة إلى الذّات. على أنّ المأخوذ هو الذّات بحسب الوجود والعدم غير منظور إلى تقرّرها ولا تقرّرها فى سنخها. لكنّ الوجود هو الموجوديّة المصدريّة. وليس هناك شيء يؤخذ منه ذلك المفهوم وراء نفس الذّات الواقعة ، كالإنسانيّة والفلكيّة. وكذلك العدم ليسيّة الذّات وبطلانها.
فإذن ، الفاقة بحسب الذّات والافتقار إلى الغير فى الوجود والعدم لا يرجع إلى معنى محصّل سوى الفاقريّة بحسب سنخ الحقيقة والافتقار فى التّجوهر واللاّتجوهر ، والذّاتيّة واللاّذاتيّة. لست أعنى فى كون الذّات ذاتا وفى لا كونها ذا قابل ، أعنى فى نفس الذّات وفى نفس اللاّذات بحقيقتها التّصوريّة ولا حقيقتها التّصوّريّة وهذه دقيقة (١) تحقيقيّة استشراقيّة، جمهور الفلاسفة عنها فى غفلة ساذجة فضلا عن المتفلسفة ، فاستقم كما أمرت.
فالآن حصحص الحقّ وتبيّن الرّشد والغىّ وتكشّف وجوب أن يقال : إنّ الإمكان هو السّبب المحوج إلى مجعولية الذات بالجعل البسيط على المسلكين ولدى الفريقين.
فإذن ، ما شأن محرّفة الحكمة ومشوّشة الفلسفة همّوا لفكّ جواهر الماهيّات عن طبائع المربوبيّة وإخراج أسناخ الحقائق عن حيّز المجعوليّة ، وما بالهم جهلوا حقّ إبداع الفاطر البارى ـ عزّ مجده ـ على ذمم الذّوات المفطورة المعلولة ، فلم يشهدوا أنّ
__________________
(١). أى وهذه المسألة دقيقة الخ ، وهناك تمسّكوا بحقيّة جعل الوجود واستدلّوا عليها بأنّ العلّة المحوجة إلى العلّة هى الإمكان. وهو كيفيّة نسبة الوجود إلى الماهيّة ، فلم المجعوليّة بحسب الماهيّة. والقائلون بالجعل البسيط أيضا عجزوا عن التّفصي عن هذا ، شرح.