سلطان فيض الرّبوبيّة على جعل الماهيّات وتشيّؤ الشّيئات كسلطانه على خلق الإنيّات وتأييس الأيسيّات ، واستحلّوا وقف الافتقار إلى الملك الجبّار على النّسب المعنويّة والمعقولات الثّوانى ولم يسندوا إلى جناب المبدئيّة التّاميّة الفياضيّة إلاّ هيئات نسبيّة تركيبيّة وحصصا اعتباريّة لمعان انتزاعيّة مصدريّة. فتبّا لمعرفتهم وتعسا لفلسفتهم. فهؤلاء هم المهوّسة المهوّشة المحرّفة المعطّلة المتفلسفة حقّا. وإنّى أنا بريء ممّن يسلك سبيل الغواية إلى الاستعاذة منه باللّه ربّ العالمين.
ثمّ إنّنا نتلو عليك من ذى عوض فى الشّطر الرّبوبىّ ـ إن شاء اللّه تعالى ـ أنّ طباع الإمكان لا يقتصر على الإحواج إلى مطلق السّبب ، أىّ شيء كان ، بل إنّما يحوج إلى الجاعل القيّوم الواجب بالذّات ـ جلّ ذكره ـ فهذا سبيل من يحمل عرش نضج الحكمة ؛ فاسلكه ، إنّك إذن إن شاء اللّه لمن المهتدين.
<١٥> اقتصاص وفحص
إنّ غاغة المجادلين النّاسبين أنفسهم إلى أهل النّظر ، وهم ليسوا من أولياء التّمييز وأخلاّء التّحصيل ، ولا هم من المتشبّهين بأبناء الحقيقة ، يتجشّمون إنكار الحقّ. فمنهم من يظنّ الحدوث وحده علّة للافتقار إلى العلّة ، ومنهم من يجعله شطرا من العلّة ، ومنهم من يعدّه شرط العلّية ، والعلّة هو الإمكان ، ومنهم من يتشمرّ للجدال بخرق فطرته القضيّة الفطريّة ، وكلامهم جميعا وإن يتخلّى عن استحقاق تضييع العمر بتهجينه وتعطيل النّفس بتوهينه ، إلاّ أنّ نفوس المتعلمين تابعة إلى ذلك.
فليعلم أنّه إذا لوحظ وصف الحدوث بما هو حدوث مع عزل النّظر عن إمكان الوجود الحادث بالنّظر إلى ذات الموصوف لم يكن فى طباعه مبدأ استيجاب الاستناد إلى علّة خارجة من الذّات. أليس وجوب وصف ما أو امتناعه بالنّظر إلى الذّات يغنى الذّات بحسب ذلك الوصف عن الغير ويمنع الاستناد بحسبه إليه. فلو كان الحدوث معتبرا فى علّة الحاجة شطريّة أو شرطيّة كان إنّما يعتبر بما هو ممكن للذّات لا واجب. فإذن ، يرجع الأمر إلى الإمكان وحده.