يستوى نسبتها إليه إنّما له أن يحكم باللاّأولوية بحسب ما هو منكشف عليه ، لا بحسب الأسباب المخصّصة المغيّبة عنه ، وأقلّها الاستعدادات الهيولانيّة والهيئات المعدّات السّماويّة مثلا.
ولقد كان فى سالف الدّور فرق (١) من غاغة الفلاسفة اليونانيّة قبل قوام فلسفتهم ، كديمقراطيس وتلميذه فلموحوس وأصحابهما يخرصون فى القول ويقولون بالاتّفاق والبخت ، وأنّ المبادى جملة الأجسام والسّماويّات فقط ، وهى الأجسام الصّغار الغير المتجزّية لصلابتها كائنة بالاتفاق. وسنعود إلى إبطاله تارة أخرى من ذى عوض إن شاء اللّه تعالى.
<١٦> شبه وإيضاحات
ربما يقال لأصحاب القول بالاتفاق ، وما هو إلاّ زور واختلاق ، متشبّثات :
١ ـ منها : أنّه لو كان للممكن حاجة إلى المؤثّر لكان فيه تأثير ، وإذا كان كذلك كان للمؤثّر مؤثّريّة ، وهى إمّا أن يكون وصفا ثبوتيّا أو عدميّا ؛ ومن البيّن أنّ تجدّد المؤثّريّة لا يكون بارتفاع شيء أزلا أو على الطروّ ، بل إنّما بثبوت مفهوم ما. وحينئذ فثبوت ذلك المفهوم : إمّا أن يكون فى الذّهن فقط ، فيكون الحكم بالمؤثّريّة جهلا غير مطابق للخارج. وأيضا كون الشّيء مؤثّرا فى غيره صفة لذلك الشّيء ، فكيف يقوم بغيره ، إلاّ أن يقال : الموجود فى الذّهن هو العلم بالمؤثّرية. وإمّا أن يكون فى الخارج أيضا ، فيكون مؤثّريّة الذّات المؤثّرة زائدة على الذّات قائمة بها ، فيكون من الممكنات المحتاجة إلى المؤثّر ، فيكون هناك مؤثّريّة أخرى. والنّظر فيها أيضا كذلك.
ويوضح فساده : أنّ المؤثّريّة أمر إضافىّ يثبت فى العقل عند تعقّل صدور الأثر عن المؤثّر ، كما فى سائر الإضافات ، وعدم مطابقتها للخارج بمعنى أنّه ليس هناك شيء بإزائها يقوم بذات المؤثّر فى الأعيان لا يستوجب كون الحكم بها جهلا ،
__________________
(١). فرق ، أى فرقة قليلة.