العدم نفي محض يستحيل أن يستند إلى مؤثّر ولا يكون فى العدم تميّز وتعدّد وهويّات حتّى يجعل البعض علّة والبعض معلولا. فإذن ، العدم لا يستند إلى العلّة. وإذا استغنى العدم فليستعد الوجود. وهو واضح الفساد بعد ما أسلفنا لك ؛ فإنّ عدم الممكن المتساوى الطرفين ليس نفيا محضا بحسب لحاظ العقل ، فإنّه وإن كان نفيا صرفا على معنى أنّه لا حظّ بما هو عدم من الثبوت أصلا ، لكنّه ليس نفيا صرفا على معنى أنّ مفهومه عند العقل لا يضاف إلى ما يتصف بالوجود ، بل هو عند العقل مضاف إلى ممكن الوجود ؛ وتساوى الطرفين لا يكون إلاّ فى العقل ، والمرجّح لطرف التّقرّر والوجود يكون متقررا موجودا فى الخارج.
وأمّا مرجّح البطلان والعدم فلا يكون إلاّ عقليّا. وبطلان ذات العلّة وعدمها ليس بنفى محض فى لحاظ العقل وإن كان نفيا محضا بحسب طرف العدم. وذلك يكفى فى التّرجيح العقلىّ. ولامتياز بطلان العلّة وعدمها عن بطلان المعلول وعدمه فى لحاظ العقل يجوز أن يعلّل هذا بذاك فى العقل. نعم ليس للعدم صلوح العليّة للوجود.
وأمّا أنّ العلّيّة مناقضة اللاّعلّية الّتي هى عدم ، فيلزم أن تكون العليّة ثبوتيّة ، فيكون الموصوف بها شيئا ثبوتيّا ؛ فمزيّف ؛ لأنّ مجرّد صورة السّلب أو الصّدق على المعدوم جزئيّا ليس يستوجب أن يكون المفهوم الكلّيّ عدميّا بجميع جزئيّاته. وأيضا نقيض العدمىّ لا يلزم أن يكون وجوديّا بمعنى الثّابت ولا بمعنى ما لا يقع السّلب فى مفهومه ، بل يجب أن يكون مفهومه سلب ذلك العدمىّ ؛ إذ نقيض الشّيء ليس إلاّ سلبة (١٠٣). وإنّما اللاّزم أن لا يكون المفهوم هو بعينه سلب نقيضه وإن كان فى نفسه سلب شيء ما أوّلا ، ولكنّه ليس شيئا موجودا.
<١٧> مخلص
الحاجة حالة عقليّة للشّيء مستندة فى لحاظ العقل إلى حالة أخرى له عقليّة هى الإمكان استنادا بحسب نفس الأمر. فالممكن له شأنان ، أحدهما أنّه ليس له فى ذاته اقتضاء طرفى التّقرّر والبطلان. والثّاني حاجته فى التّقرّر والبطلان إلى الغير