وحاجته إلى الغير معلولة ؛ لكونه فى ذاته غير مقتض للتّقرّر ولا للبطلان ، وبين الحالتين مباينة من وجهين :
الأوّل : أنّه إذا حكم على شيء ما بأنّه فى جوهر ذاته محتاج إلى الغير طلب العقل لذلك علّة. فإذا استند ذلك إلى أنّه فى ذاته ليس ضرورىّ الذّاتيّة ولا ضرورىّ اللاّذاتيّة ، أى: ليس بذاته ضرورىّ دوام الذّات ولا ضرورىّ بطلانها ، فمنع العقل وانبتّ الطلب وليس يصحّ العكس.
والثّاني : أنّ كونه فى ذاته غير ضرورىّ تقرّر الذّات ولا ضرورىّ بطلان الذّات فى نفس الأمر ، هو اعتبار حالة بما هو هو مع عزل النّظر من غيره تقرّرا وبطلانا. وأمّا تعلّقه بالغير وتوقّفه عليه فذلك اعتبار شأنه مع الغير. ومن البيّن أنّ اعتبار حال الشّيء بما هو هو مباين لاعتبار حاله بما أنّه مع غيره. وكذلك بين الاعتبارين فى الوجوب فالواجب أيضا له شأنان عقليّان : أحدهما كونه بذاته مستحقا لحمل المتقرّر والموجود على نفس ذاته. والثّاني عدم توقّف ذاته على الغير بجهة من الجهات أصلا. وهذا مستند إلى الاعتبار الأوّل ومطابق حمل جميع المفهومات الكماليّة على ذاته. ومناط ذلك الحمل هو نفس ذاته الأحد الواحد الحقّ بنفس ذاته.
<١٨> تأسيسان تفريعيّان (١)
(١) فإذن ، كما الممكن الحادث فاقر فى حدوث تقرّر ذاته ووجوده إلى الجاعل ، فكذلك الممكن الباقى مفتقر فى استمرار ذاته ووجوده إليه ، بل التّأثير فى نفس الذّات والوجود ، لا فى وصفى الحدوث والبقاء يستمرّ باستمراره الذّات وتبطل بانقطاعه بطلانها الّذي لها فى الآزال والآباد لو لم يصادمه تأثير الجاعل.
(٢) وكما الممكن الموقّت بوقت خاصّ مجعول الجاعل ، فكذلك الممكن
__________________
(١). من حيث إنّهما متفرعان على الأصل السّابق ، أعنى كون الإمكان علة للحاجة ، من حيث إنّهما أساسان لأصول كثيرة سمع.