الموجود فى جملة الزّمان ـ أى فى كلّ جزء فرض من أجزائه المتمايزة بالقوّة بحسب الفرض ، لا بالفعل بحسب الوجود ـ مجعول يفتقر إلى أن يكون مستندا إلى الجاعل. ولو لا الجعل والإبداع لم يكن إلاّ من الذّوات الباطلة الموهومة التّقديريّة. فالإمكان اسّ الفاقة ومناط الحاجة.
فحيثما كان كانت الحاجة والفاقة المغلظة من اولى سخافة العقل وحقافة الوهم ، أنكر فى الحقّ وخالقه المحقّين فى الأسّين تفريعا على استنكار ما قضى به العقل فى قضيّة الإمكان والامتثال حكم الوهم العامىّ فى تعليق الحاجة على اعتبار الحدوث. فظنّ هؤلاء المستنكرين ساقهم إلى أنّ تعلّق المجعول المفعول المصنوع الموجد بالجاعل الفاعل الصّانع الموجد إنّما يكون فى أنّه جعلت ذاته من تلقائه وصنعت من لدنه بعد البطلان واللّيسيّة. فإذا تجوهرت الذّات ووجدت زالت الحاجة حتى أنّهم لا يتحاشون أن يقال : لو جاز العدم على الجاعل الصّانع البارى ـ تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ـ لما ضرّ ذلك العدم تقرّر العالم ووجوده.
ثمّ تمحّل فرق منهم (١) لتمويه هذا القول القبيح المستنكر بقبيح آخر مستنكر. وهو أنّ الأعراض غير باقية ، بل هى متجدّدة دائما إمّا بتعاقب الأمثال وإمّا بتوارد الوجودات على ما عدم بعينه ، والجواهر مستحيلة الخلوّ عن الأعراض المتعاقبة الغير الباقية محتاجة الذّوات إلى أن يوجد الفاعل تلك الأعراض فيها ، كالعرض المسمّى بالبقاء عند من تنبّه منهم ، أو غيره من سائر الأكوان والأعراض عند غيره ، فلم يلزم زوال الحاجة بعد الحدوث.
وربما كان فيهم من (٢) هو أشدّ اختلاجا عن العقل وأبلغ اعوجاجا فى الوهم ، فالتزم تبدّل الذّات آنا فآنا فى الجواهر أيضا. ومن (٣) يدّعى منهم أنّه من أبناء التّمييز ومن أهل استحقاق المخاطبة يذكر أنّه حملنا على هذه الأقوال الخسيسة والظنون
__________________
(١). هم الأشعرية وقليل من المعتزلة.
(٢). وهو النظام.
(٣). وهو أفضل الدين الغيلانى ومثير فتنة التشكيك وأمثالهما. سمع.