القبيحة شيئان : أحدهما مشاهدة بقاء الأثر كالبناء ، بعد فناء المؤثّر ، كالبنّاء. وكذلك يبقى المنىّ فى القرار ويفنى الإنسان الممنى. والثّاني الاستدلال تارة بأن جعل المجعول وإيجاد الموجود تحصيل بالحاصل ، وأخرى بأنّ المجعول الموجود لو كان بعد حدوث التقرّر والوجود باقيا على الافتقار والجاعل الموجد كان الافتقار فى أصل التقرّر والوجود.
فإذن ، كان كلّ الواقع فى التّقرّر والوجود مفتقرا حتّى فاعل الكلّ ـ تعالى عنه ـ فكان قد يتسلسل الأمر. ونحن نأخذ أوّلا فى إحقاق الحقّ ، ثمّ نكر فنهجّن هذه الظنون الباطلة الخسيسة ، ونحذّ هذه الشّكوك السّاقطة السّخيفة.
<١٩> سياقة استحصافيّة يمانيّة
اعلم أنّه إذا كان شيء ما من الأشياء باطل الذّات ، ثم إذا هو متقرّر بعد البطلان بسبب شيء ما ؛ فإنّ الّذي هو بالذّات من السّبب الفاعل إنّما هو نفس هذه الذّات المتقررة ؛ فإنّ هذه الذّات إنّما تجوهرت ، لأنّ ذلك الفاعل كان على جهة وجب عنه بتلك الجهة أن يكون عن ذاته ذات ما هى غير ذاته. وأمّا أنّها كانت باطلة فليس من تلقاء هذا الفاعل ، بل إنّما ينسب البطلان إلى عدم علّة التّجوهر. فهناك ذات وبطلان وصفة محمولة على تلك الذّات ، وهى كون الذّات بعد البطلان.
فالبطلان من عدم العلّة والذّات من تلقاء الجاعل ، وكون الذّات بعد البطلان إنّما هو من قبل جوهر الذّات وليس يفعله فى الذّات فاعل ؛ فإنّ سبق البطلان ليس يتعلق بالفاعل تعلّق الذّات المفعولة به حتّى تكون هذه الذّات موصوفة بانّها من بعد البطلان بفاعل يفعل تلك الموصوفيّة. وذلك لأنّ الذّات (١٠٤) حيث إنّها ذات جائزة غير واجبة ولا بطلانها واجب ، كانت هى من جاعل لا محالة.
وأمّا كون هذه الذّات مسبوقة بالبطلان فحيث إنّه ليس وصفا جائزا بالنظر إلى الذّات ، بل هو وصف واجب لها ، إذ يمتنع أن يكون هذه الذّات هذه ، وليس يسبقها البطلان ، امتنع أن يكون هو للذّات بفعل فاعل ، بل إنّما هو للذّات من جوهرها.