فإن ظننت أنّه من الأوصاف الجائزة. قيل لك : أهذه الذّات بما هى جائزة غير ضروريّة ، فلا مدخل لسبق البطلان ، بل هى فى نفسها غير ضروريّة وليست لا ضرورتها من حيث هى بعد البطلان. نعم إنّما اتّفق من جهة خصوصيّة الذّات أن يسبقها البطلان ، وهى فى نفسها غير ضروريّة ، أو إنّ جوازها بما هى بعد البطلان. (١) وحينئذ يكون لم تأب فى نفسها أن لا يسبقها البطلان ولا يكون من شرطها أن تصدر عن غيره من بعد البطلان ، فيكون تعلّقها بذلك الغير من حيث إنّها فى نفسها ذات جائزة غير واجبة. فيلزم أن يتعلق به دائما ما دامت هذه الذّات (٢).
فإذن ليس للفاعل صنع فى هذا الوصف ، بل صنع الفاعل نفس الذّات. ثمّ هى بنفسها موصوفة بهذا الوصف ، كما الجسم فى ذاته متعلق بالعلّة ، ثمّ هو بنفسه موصوف بلزوم الانقطاع ، أعنى بذلك مطلق التّناهى ، لا تعيّن امتدادات بخصوصيّاتها ؛ فإنّ ذلك يكون بأسباب خارجة عن طبيعة الجسم بما هو جسم.
فإذن ، تعلّق الذّات بالفاعل من حيث هى ذات غير واجبة ، لا من حيث هى ذات مسبوقة بالبطلان ، أى من حيث هى حادثة. فلا إمكان لذات بعد البطلان من حيث هى بعد البطلان ، وإنّما الإمكان بالذّات بما هى ذات فحسب. وإن كانت هى بعد البطلان باقتضاء هويّتها فظاهر أنّه لا امتناع لها أيضا من تلك الحيثيّة ، إذ هى معروضة التقرّر بتلك الحيثيّة. فإذن ، يكون لها وجوب تلك الحيثيّة باقتضاء خصوصيّة الذّات المتقرّرة.
فحقّ أنّ ذات الحادث جائزة القوام والبطلان وإن كان عرض لها بحسب اقتضاء هويّتها من جهة أخرى أن ليس يصحّ تقرّرها وقوامها إلاّ بعد البطلان ؛
__________________
(١). لأنّ المفروض أن علّته التّامّة الشّخصية موجودة ومن البيّن أنّ ذاتها شخصيّة بخصوصها يمتنع استنادها إلى علّتين نامّتين على سبيل الاجتماع أو على سبيل التعاقب التعاقبيّ أو على سبيل التبادل الابتدائيّ. فإذن كلّما يفرض علّة تامّة لتلك الذات الشخصيّة على تقدير انسلاخها عن وصف كونها من بعد البطلان فهي بعينها متحققة حين اقتران تلك الذات الشخصيّة بهذا الوصف. فإذن يلزم أن يكون تلك الذات الشّخصيّة مستندة إلى هذه العلّة التامة الشخصيّة دائما ثم يعرضها ذلك الوصف ، وهو محال. منه رحمه اللّه.
(٢). أى بجاعله الشّخصىّ المستقلّ بالتّأثير المستجمع لجميع منتظرات المجعول ومصحّحات الجعل بالفعل. منه طاب ثراه.