وليس بحقّ أنّ ذاتها بذاتها جائزة التّقرّر بعد البطلان ، والتّقرّر لا بعد البطلان ، بل على وصف الدّوام ؛ فإنّ التقرّر لا بعد البطلان ممتنع بالنظر إلى استحقاق جوهرها. وهذا مقارن فى أنحاء الحدوث جميعا.
فالحادث الذّاتىّ بما هو حادث ذاتىّ ، سنخ ذاته مستفاد من الفاعل ، لا يسبق البطلان على ذاته سبقا بالذّات ، إذ لا تأثير للفاعل فى بطلان ذاته السّابق عليها سبقا بالذات ؛ لكن عرض أن كان له بطلان من نفسه فى لحاظ العقل ليس هو من تلقاء الفاعل.
وكذلك الحادث الدّهرىّ بما هو حادث دهرىّ وإن لم يكن حادثا زمانيّا (١) كالأنوار العقليّة المفارقة ، نفس ذاته من تلقاء الفاعل فى وعاء الدّهر ، لا يسبق البطلان على ذاته فى الأعيان سبقا دهريّا ؛ إذ ليس ذلك من تلقاء الفاعل ، لكن عرض له من نفسه أن كان بطلان ذاته فى الأعيان قبل تقرّرها قبليّة دهريّة ، كما له أيضا فى لحاظ العقل بطلان الذّات قبل التّقرّر قبليّة بالذّات. والحادث الزّمانىّ أيضا جوهر ذاته من تلقاء الفاعل ولكن فى زمان بعينه.
وليس بطلان ذاته فى الأزمنة السّابقة من اقتضاء الفاعل ، بل عرض له من نفس هويّته أن لم يكن ذاته مستحقّ التقرّر على الإطلاق بالقياس إلى سائر الأزمنة ، بل إنّما استحقّت التقرّر بعد البطلان فى الأزمنة الخالية ، كما له من قبل من جوهره أنّ البطلان سبق ذاته فى الأعيان سبقا دهريّا. وهو أيضا سابق على ذاته أبدا فى لحاظ العقل سبقا بالذّات.
وبالجملة ، لا يصحّ أن يقال : إنّ شيئا ما جعل ذات الشيء بحيث لا يتجوهر إلاّ بعد البطلان ، فهذا غير مقدور عليه ، بل إنّ كلّ ما هو مقدور عليه فإنّه واجب بالضّرورة الذّاتيّة البتّيّة أن يكون تقرّره بعد بطلان الذّات بعديّة بالذّات فى لحاظ العقل ، وبعديّة دهريّة فى الواقع بحسب وعاء الدّهر.
__________________
(١). هذا بحسب توصيف العنوان ، أي : السياقة الاستحصافيّة باليمانيّة ، سمع.