والواقع أنه بالنسبة لهؤلاء ـ وأنا من بينهم ـ نجد أنّ للتطور أهمية من الناحية الدينية ، فهو يقود العقل الأمين المتجرد من التحيّز إلى فكرة وجود الله تعالى.
وأعود فأقول : إنّ دراسة العلوم بعقل منفتح تجعل الإنسان يسلّم بضرورة وجود الله والإيمان به.
ويقول «كرسي موريسن» (١) : «لسنا إلّا في فجر العلوم ، ولكن كل إلمامة جديدة وكل تزايد لنور المعرفة تأتينا ببرهان جديد على أنّ كوننا هو حقا صنيعة عقل خلّاق فعّال. كذا يعتمد الإيمان على المعرفة ، ويشعر العالم في كل مرحلة جديدة يقطعها أنّه يقترب من الله ، وقد وجدت في العلم شخصيا سبع علل كبرى ارسي عليها قواعد إيماني» ثم يستمر في بيانها.
ونلاحظ خلال قراءتنا للقرآن المجيد أنه يحوي الكثير من العلوم ، التي بذل الإنسان جهدا كبيرا وطويلا من أجل التوصل إلى خفاياها وأبعادها ، ليضعها في خدمة الإنسانية جمعاء. ويفسر لنا بعض الأسرار التي لم تكن مفهومة لدى بعض الناس خلال الفترة التي سبقت الاكتشافات العلمية الحديثة. حيث قال جلّ وعلا : (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ).
ومن خلال ما مرّ بنا نجد انّ الإنسان الذي أعطاه الله العقل ، وعلّمه العلم ، وسخر له الأرض وما عليها من حيوانات ونباتات ، يحتاج إلى رعاية وعناية ولطف إلهي ، كي يحتفظ بهذا العقل سليما رشيدا يستخدمه في معرفة الخالق وما أعطاه من نعم لا تحصى.
ولهذه الأسباب كلها نجد القرآن الكريم يبني لنا الكثير من الارشادات والقواعد الصحية التي تجعل الإنسان يعيش عيشة سعيدة صحيحة صحية ، تحفظ له جسمه وعقله ، وليستطيع بها معرفة الله وعظمته وجلاله ، ويتمكن من تطبيق
__________________
(١) رئيس المجمع العلمي في نيويورك سابقا ـ ينقلها عنه كتاب «الله محبة» ص ٨٢ ـ ٨٦. وراجع «حوار بين الإلهيين والماديين» ص ١٦٣ ـ ١٦٥.