الجنون وقضاء ما تبقى من العمر في مستشفيات المجانين بأسوأ حال وأشنع صورة.
وهناك طائفة تأزمت حالتها تجاه المضايقات الروحية المستمرة إلى درجة أنها أفلتت عنان الاختيار من يدها ، وأقدمت على الانتحار من القلق والألم ، وبهذا الوضع المزري ينهون تلك السلسلة من الاضطرابات] (١).
لنعد الآن إلى الآية الكريمة : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ).
فالآية الكريمة تدل على أنّ لكل شيء ثمرا ، فالذي يريد أن يجني ثمرا عليه أن يزرع ويبذل الجهد ليحصل على ما يريد ، وكذلك العامل والمؤمن وكل من يريد الآخرة والجنة ورضى الله ، عليه أن يضحي في حياته ، ويصبر على مكاره الدنيا وامتحاناتها ، فلا جنة بدون امتحان وتمحيص. وعلى الناس أن يمروا بسلسلة من الاختبارات والامتحانات القاسية التي تظهرهم على حقيقتهم ، حتى يكونوا أهلا لرضى الخالق كما قال الله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ) (٢).
ومن المعلوم والواضح والبديهي أنّ أشد أنواع الامتحان صعوبة على النفس هو فقدان المال أو إعطاؤه جبرا ، والموت ، أو صعوبة الحصول على الغذاء اللازم ، أو مرور الإنسان بحالة من القلق والخوف التي قد تؤدي إلى زعزعة إيمانه وهز كيانه ووجدانه.
ولكن الشيء الذي يلفت النظر ويعتبر من المعجزات القرآنية التي حيرت علماء النفس والباحثين ، وجعلتهم يقفون موقف الاحترام والاجلال والخشوع والايمان ، هو دقة وإعجاز وشمولية آيات القرآن ، وتوافقها الدائم وتفسيرها ـ الذي لا يقبل الطعن والنقاش ـ للمستجدات التي تظهر للوجود خلال المراحل الزمنية
__________________
(١) الشيخ محمد تقي فلسفي : الطفل بين الوراثة والتربية.
(٢) سورة البقرة : الآية ٢١٤.