وفي الغالب تمر بشكل سريع ، ولكن بمرور الأيام يحل النسيان محلها ، ولا يبقى منها شيء يذكر خلال مسيرته الحياتية. بينما الخوف والقلق الذي غطى أغلب طبقات المجتمع فرض نفسه على الانسان بصورة دائمة ومخيفة ، وبتناسب طردي مع تقدم الحياة وعصريتها والآثار الناجمة عنها.
وأظن أنّ أغلب الناس بدأوا يشعرون بعظم هذه الكارثة التي تلازمهم كالظل ، ولو سألنا الآن الطاعنين في السن عن الكثير من الأمراض التي ظهرت حديثا بشكل كبير وازدادت بصورة غير متوقعة ومحسوبة لأظهروا العجب ، وأنكروا وجودها سابقا بهذه الحالة الرهيبة.
فلا عجب إذا شاهدنا أنّ كثرة المستشفيات والأطباء والعقاقير لم تعد كافية ، وليس بمقدورها كبح جماح الزيادة الرهيبة في الأمراض النفسية ، وخصوصا الخوف والقلق. ولا نستغرب أنّ كثيرا من الناس لم يسمعوا سابقا بمرض السرطان ، لا بسبب عدم وجوده ، ولكن لندرته وقلة الناس بالمصابين به.
ومرض السكر هو الآخر كان من الأمراض النادرة ، والمصابون به لا يتعدون العشرات ، وكذلك ضغط الدم ، والسكتة القلبية ، كانت من العجائب عند الأقدمين.
أما قرحة المعدة وتهيج (القولون) ، وقلة الشهية ، والعزوف عن الطعام ، فهي عجيبة اخرى ، أو نكتة يتداولونها في أحاديثهم ، لأن الانسان كان يأكل من الطعام أضعاف ما يأكله الآن بالرغم من عدم تنوع طعامه ومأكله.
والإحصاءات الحديثة التي تبين زيادة الأمراض النفسية والجسمية بصورة مضطردة وكبيرة ، هي بلا شك برهان قاطع على أنّ الخوف والقلق سيكون مشكلة المستقبل التي يستعصى حلها والسيطرة عليها.
كما أنّ وجود المال الوافر والعقارات الكثيرة وكثرة الأولاد وتوفر الغذاء ، لا تجعل الانسان سعيدا إذا كان مصابا بعقدة الخوف ، التي تجعله ينظر إلى المستقبل بعين القلق والاضطراب ، كما أنّ الأضرار الناجمة منها لا يمكن تعويضها بتلك النعم الزائلة. وقد يكون الموت سعادة لبعض الناس المؤمنين ، أو خلاصا ظاهريا للأشقياء