والمرضى من شقائهم ومرضهم.
وأمامنا الآن أمثلة كثيرة على أنّ الخوف والقلق إذا استمر وأخذ يغلي ويتفاعل في صدر الإنسان ، فربما يجره إلى مكاره كثيرة تؤدي به في النهاية إلى ارتكاب مختلف الجرائم كالقتل ، والسلب ، وإيذاء الناس ، وتدمير الممتلكات ، وغيرها.
إذن هكذا الصورة الحالية لإنسان القرن العشرين الذي يعيش الخوف بمختلف أشكاله ومعانيه ، فلنا أن نتصور حالة إنسان ما بعد هذا القرن حينما تزداد الاضطرابات ويعم الخوف المرعب نتيجة العوامل التي مرّ ذكرها واستفحل أمرها ، مضافا إليها التفكك العائلي الذي نشهده الآن بكل أبعاده ومآسيه ، والسباق المادي الطاغي ، وابتعاد الناس عن الالتزام والتمسك بالدين الاسلامي الحنيف ، الذي يدخل السعادة إلى قلوبهم ويجعل منهم جبلا شامخا يكافح الصعاب.
وأخيرا لا يبقى أمامنا إلّا بابا واحدا يحوي كل الحلول الجذرية المطلوبة ، ألا وهو الايمان الكامل بقضاء الله وقدره. لأن الايمان بالله يجعل الانسان في أقصى وأعلى وأتم حالات الهدوء الروحي والنفسي ، ويزوده بالقدرة الكافية على كبح شهواته وغرائزه وميوله ، ويمكنه من الاحتفاظ بشخصيته أمام الحوادث والويلات التي تجلبها الحياة ، ويكسبه الحصانة الآلهية التي تمنعه من السقوط في خضم الاضطرابات النفسية العديدة.
[هنا يظهر دور الإيمان الكبير في علاج مرض القلق ، فإنّ المؤمنين يتسندون إلى الله تعالى في مد الحياة وجزرها. ويستعينون بألطافه وعناياته باستمرار ، ولذلك فهم يملكون أرواحا قوية ، ونفوسا تتحدى التحطيم ، ولا يفشلون أمام تقلبات الحياة ، حيث قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (١). إنّ المؤمن لا يشعر بالصغار والذلة أبدا ، لأنه يجد أنه يستند إلى أعظم قوة
__________________
(١) سورة الاحقاف الآية ١٣.