القوانين في حاجة ؛ حروب متواصلة ، وأحقاد متوارثة ، ودماء مهدرة ، ومهج مهراقة ، وعادات نشبت فيهم نشوبا ، وغرست فيهم عيوبا ، وجرت عليهم خطوبا ، وطباع خلعتهم عن مقتضى الفطرة ، ونبت بهم عن مطالب الخلقة ، واصطلاحات بعدت بهم عن قوانين الطبيعة ، وألقت بهم إلى مطارح الرذيلة ، وأشربت نفوسهم سموم القطيعة ، صناديد لا يفكرون في غير الغارات ، ولا يفاخرون إلّا بطعن الردينيات وضرب المشرفيات ، شعراء ولكن في الدعوة إلى القتال ، وتيتيم الأطفال ، وإفناء الأهل والمال ، أقوياء ولكن في نسف المعالم ، واكتساح المغانم ، نجداء ولكن ضد بعضهم ، شجعان ولكن على أنفسهم.
ومن ينكر علينا ، أنّ هذه الروح المحمدية الشريفة ، قامت في مبدأ الأمر وحدها بدون نصير ، ولاقت مما يحيط بها من الأرواح مقاومات عنيفة ، ومخاصمات شديدة ، وفتنا مظلمة ، وإحنا حالكة وصدورا وغرة ، وأعداء فجرة؟
وأنها صبرت تجالد هذه الأرواح سنين متوالية ، تأخذها بالنصيحة مرة ، وبالترغيب اخرى ، وبالترهيب حينا ، وبالجدال أحيانا ، فكانت بذلك وحدها أمام امة بأسرها ، ترمقها عن بكرة أبيها شزرا وتتوعدها شرا ، وتهددها سرا وجهرا ، وتنصب لها الحبائل ، وترصد لها المخاتل ، وتغري بها اللئام والرعاع ، وتثير عليها الاحن والأحقاد؟
وكيف فازت في النهاية على جميع مجاوراتها ، وأخضعت لسلطانها جميع عدواتها ، وسائر حواسدها ، وأتمت كل وظائفها ، ثم صعدت إلى حيث أتت ، قريرة العين مرتاحة البال ، لم ينلها من تألب أعدائها شيئا ، ولم يلحقها في أداء وظيفتها فتور ولا ونى ، ولم تصعد حتى نقشت اسمها في صفحات الوجود نقشا لا يمحى ، وأبقت فيه أثرا لا يبلى ، واستخلفت فيه روحا لا تزهق ، وحياة لا تضمحل أفاعيلها في تابعها إلى يومنا هذا. ومن يرد أن ينكر كل هذه الحوادث فلينكر ، الشمس طالعة والنجوم ساطعة ، ونفسه الجاحدة.