السبي فقالت : يا محمد : إن رأيت أن تخلّي عني ، ولا شمت بي أحياء العرب ، فإني بنت سيّد قومي. وإنّ أبي كان يحمي الذّمار ، ويفك العاني ، ويشبع الجائع ، ويطعم الطعام ، ويفشي السلام ، ولم يرد طالب حاجة قط ، أنا بنت حاتم الطائي.
فقال رسول الله (ص) : «يا جارية ، هذه صفة المؤمنين حقا ، ولو كان أبوك مؤمنا لترحّمنا عليه. خلّوا عنها فإنّ أباها كان يحب مكارم الأخلاق ، والذي نفسي بيده. لا يدخل الجنة إلّا حسن الأخلاق».
ط ـ وثقة بالله لا يعرف لها مثيل ، فأعتق عبيدا من يده ، ولم يقل لسائل : لا ، قط. تلك هي إنسانيته (ص) التي لا تجارى.
أجل. ما كاد الوحي ينزل عليه حتى أشرق قلبه بالايمان فصار يرى الله في كل شيء : يرى مظاهر جماله وجلاله ، ودلائل قدرته وعظمته ، وآثار حكمته ورحمته.
يرى ذلك كله في نفسه ، وفي الطبيعة من حوله ، في الأرض ، وفي السماء ، في الحياة ، وفي الموت ، فتنفعل نفسه بهذا كله فيهتف من أعماق قلبه :
«اللهم لك الحمد ، أنت قيّم السموات والأرض ومن فيهن. ولك الحمد ، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن. ولك الحمد ، أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن. ولك الحمد ، أنت الحق ، ولقاؤك حق ، وقولك حق ، والجنة حق ، والنار حق ، والنبيون حق ، ومحمد حق ، والساعة حق.
اللهم لك أسلمت ، وبك آمنت ، وعليك توكلت ، وإليك أنبت ، وبك خاصمت ، وإليك حاكمت ، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت.أنت المقدم ، وأنت المؤخر. لا إله إلّا أنت. ولا حول ولا قوة إلّا بالله».
وتبقى هذه الحقيقة ماثلة في ضميره ، وشاخصة بين عينيه ، فلا تفارقه في ليله أو نهاره. ولا تزايله في نومه أو انتباهه. ولا تزيد على الأيام إلّا تألقا.
وإنها تتجلى في زهده. وورعه. وعزوفه عن متاع الدنيا وزهرتها كما تبدو في صلاته الخاشعة ، وذكره الدائم ودعائه الحار ، وصيامه المتواصل ، ولجئه إلى الله في كل شيء ، حتى لتكون آخر كلمة يلفظها : «إلى الرفيق الأعلى ، إلى الرفيق الأعلى».