وكما أضاء الوحي جوانب نفسه فعرف الحقيقة الكبرى ، فقد حرك كوامن الخير وعواطف النبل فيه كذلك ، فأصبح إنسانا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان ، أصبح يحمل بين جنبيه صدرا رحيبا. وقلبا رحيما ..
فممّا حفظ من صفاته أنه متواضع يخفض جناحه لغيره ، ويجالس الفقراء ، ويؤاكل المساكين ، ويقبل عذر من إعتذر إليه. ولا يغلظ على أحد. ولا يواجهه بما يكرهه. يبدأ من لقيه بالسلام والمصافحة. ومن قادمه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف. وهو خضيب الوجه ، بسط الكف ، يكرم كل من دخل عليه حتى ربما بسط له ثوبه يجلسه عليه. يبذل من ذات نفسه لا يستأثر بشيء. ولا يبيت عنده درهم ولا دينار. يكرم أهل الفضل ، ويتألف أهل الشرف بالبر لهم. وهو أبعد الناس غضبا ، وأسرعهم رضا ، وأرحم الناس بالناس وأنفع الناس للناس.
وصفه أمير المؤمنين الأمام علي (ع) فقال : «كان أجود الناس كفّا ، وأوسع الناس صدرا ، وأصدق الناس لهجة ، وأوفاهم ذمة ، وألينهم عريكة ، وأكرمهم عشرة ، من رآه بديهة هابه ، ومن خالطه معرفة أحبه. يقول ناعته : «لم أر قبله ولا بعده مثله». وما سئل عن شيء قط إلّا أعطاه ... وكان أزهد الأنبياء ، ما رفعت له مائدة قط وعليها طعام ، وما أكل خبز بر قط ، ولا شبع من خبز شعير ثلاث ليال متواليات قط. توفي ودرعه مرهونة عند يهودي بأربعة دراهم وما ترك صفراء ولا بيضاء».
وقال عنه سبطه الأمام الحسن بن علي (ع) عن خاله هند ابن أبي هالة التميمي قال : «كان الرسول (ص) متواصل الأحزان ، دائم الفكرة ليست له راحة ولا يتكلم في غير حاجة ، طويل السكوت ، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه ، ويتكلم بجوامع الكلم فصلا ، لا فصول فيه ولا تقصير ، دمث ليس بالجافي ولا بالمهين يعظم وإن دقت ولا يذم منها شيئا ، ولا يذم ذواقا ، ولا يمدحه ، ولا تغضبه الدنيا وما كان لها ... جل ضحكه التبسم ... ويتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في الناس ، فيحسن الحسن ويقويه ويقبح القبيح ويوهنه ... لا يقصر عن الحق ولا يجوزه ،