الذي يلونه من الناس خيارهم. أفضلهم عنده أعمهم نصيحة ، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة.
لا يجلس ولا يقوم إلّا على ذكر الله .. يعطي كلا من جلسائه نصيبه ، حتى لا يحسب جليسه أنّ أحدا أكرم عليه منه ، من جالسه أو قادمه في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه ، ومن سأله عن حاجة لم يرده إلّا بها أو بميسور من القول.
قد وسع الناس منه بسطه وخلقه ، فكان لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء. فمجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة ، لا ترفع فيه الأصوات ، ولا يوهن فيه الحرم. يوقرون فيه الكبير ، ويرحمون فيه الصغير ، ويؤثرون ذا الحاجة ، ويحفظون الغريب ، وكان رسول الله (ص) دائم البشر ، سهل الخلق ، لين الجانب ، ليس بفظ ، ولا غليظ ، ولا صخاب ، ولا فحاش ، ولا عياب ، ولا مداح» (١).
وقال فيه حفيده الأمام الصادق (ع) : «كان رسول الله (ص) يقسم لحظاته بين أصحابه ، فينظر الى ذا وينظر الى ذا بالسوية ، ولم يبسط رسول الله رجليه بين أصحابه قط».
ولا يزال قوله المأثور عند ما فتح مكة ، معقل الشرك ورحى المؤامرات التي كانت تحاك ضده : «اذهبوا فأنتم الطلقاء ، لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين».
أرأيت غير محمد (ص) جمع كل هذه الصفات التي تم التأليف بينها ، وأحكم أمرها ، وظهرت آثارها لتكون مثلا أعلى ، ونورا يضيء للناس ، ويبصرهم جوانب الخير ، ونواحي الفضيلة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؟
وإذا كان فراره إلى الله تعالى وتبتله إليه تبتيلا لم يسبقه فيه سابق ولم يلحقه فيه لاحق. وإذا كانت إنسانيته العليا قد ألقت عليه محبة من كل من عاشره. فإنّ
__________________
(١) مكارم الأخلاق : ١٤.