هذا لا يقاس بجانب ما قدمه للانسانية من دعوة هادية ردت إليها الحياة ، وأنارت لها الطريق.
كانت هناك النصرانية واليهودية والوثنية ، وما كانت هذه كلها بمستطيعة أن تنقذ العالم من الهوّة التي كان قد أشرف عليها. إنها ديانات قد أفسدتها الأوهام والخرافات ، واستحالت إلى طقوس لا تهذب نفسا ، ولا ترفع رأسا ، ولا تفيد في دنيا ، ولا تنفع في دين.
واجه الرسول (ص) الدنيا ، وهي على ما هي عليه من الشقاء والفساد ، فكان كالفجر المشرق في أعقاب ليل مظلم ، وكان ذلك إيذانا بميلاد جديد للبشرية ، وإعلاما بأنّ روحا اخرى سرت في أوصال العالم المنهار ليعيد إليه القوة والصحة والكمال.
ليس على الذين أرعبتهم مفازات الحياة ووعوثتها ، وهالتهم عقباتها ومعاطبها ، إلّا أن يتّبعوا ذلك الطبيب النفساني الأول في العالم والمثال الكامل في سيره ويقتدوا بهديه في جميع أمره ، فإنه جاء ليعلّم الأنسان كيف يسلك بنفسه الحياة بدون أن يدنسها ، وكيف يطير بروحه إلى الغايات بدون أن يتعبها ، وكيف يجري في باحات المطالب المختلفة بدون أن يلامسه الجور بذلة ، ويركض في ساحات المجد غير خاش أن يصدمه الغلو في صدره.
فهل يصح ، أن يعد المسلمون هذه السيرة من ضمن السير ، ويجعلوها مجرد فكاهة في السهر ، ورقائق يوشون بها أطراف السمر أم يجب أن يدرسوها من جهة فلسفية حيوية ، ليتخذوها دستورا للعمل ، ونبراسا يجلون به عن حياتهم ظلمات الخطل ، ويحتمون به التدهور في الزلل ، وعلما يعشون إلى ضوئه في كل أمر جلل؟
كيف لا يجعل المسلمون هذه السيرة المثلى لهذه الروح العظمى كحلا لأعينهم ، وشغافا لقلوبهم ، ودخيلا تحت ضلوعهم ، وشعارا على جسومهم ، ودثارا فوق لباسهم؟ وكيف لا يجعلونها مرجعا لفخارهم ، وأصلا لمجدهم وسؤددهم ، ودواء لأدوائهم ،