إلى المرجّحات الأخر ، فالمراد بنفي الريب نفيه بالإضافة إلى الشاذّ ، ومعناه أنّ الريب المحتمل في الشاذّ غير محتمل فيه ، فيصير حاصل التعليل ترجيح المشهور على الشاذّ بأنّ في الشاذّ احتمالا لا يوجد في المشهور ، ومقتضى التعدّي عن مورد النصّ في العلّة وجوب الترجيح بكلّ ما يوجب كون أحد الخبرين أقلّ احتمالا لمخالفة الواقع.
ومنها : تعليلهم عليهمالسلام لتقديم الخبر المخالف للعامّة ب : " أنّ الحقّ والرشد في خلافهم" ، و" أنّ ما وافقهم فيه التقيّة" ؛ فإنّ هذه كلّها قضايا غالبية لا دائمية ، فيدلّ بحكم التعليل على وجوب ترجيح كلّ ما كان معه أمارة الحقّ والرشد وترك ما فيه مظنّة خلاف الحقّ والصواب.
بل الإنصاف أنّ مقتضى هذا التعليل كسابقه وجوب الترجيح بما هو أبعد عن الباطل من الآخر ، وإن لم يكن عليه أمارة المطابقة ، كما يدلّ عليه قوله عليهالسلام : " ما جاءكم عنّا من حديثين مختلفين ، فقسهما على كتاب الله وأحاديثنا ، فإن أشبههما فهو حقّ (٢٨٧٦) ، وإن لم يشبههما فهو باطل" ؛ فإنّه لا توجيه لهاتين القضيّتين إلّا ما ذكرنا من إرادة الأبعديّة عن الباطل والأقربية إليه.
ومنها : قوله عليهالسلام : " دع ما يريبك (٢٨٧٧) إلى ما لا يريبك" ، دلّ على أنّه إذا دار
______________________________________________________
٢٨٧٦. بأن كان الحكم المذكور في أحد الخبرين موافقا ومتفرّعا على القواعد المذكورة في الكتاب والسنة ، وكان الآخر موافقا لقواعد العامّة ، وسيصرّح بهذا المعنى عند بيان الترجيح بوجه الصدور ، أعني : مخالفة العامّة والموافقة للقواعد المستفادة من الكتاب والسنّة ، أو لقواعد العامّة وإن لم تكن أمارة موافقة مضمون الخبر بالخصوص للواقع ، ومخالفته له نظير الشهرة في الفتوى ، إلّا أنّ مضمون الخبر حينئذ يكون أبعد من الباطل أو الحقّ. نعم ، لو كان المراد بمشابهة الكتاب والسنّة هي المشابهة في الأسلوب والفصاحة والبلاغة أمكن جعل ذلك أمارة صدق الخبر ، فتدبّر.
٢٨٧٧. لا يخفى أنّ هذه الرواية الشريفة من جملة أخبار الاحتياط في الشبهات البدويّة ، وقد تقدّم في مسألة البراءة عدم دلالتها إلّا على الأمر الإرشادي غير المفيد للوجوب المولوي المقصود في المقام.