فلنرجع إلى ما كنّا فيه ، فنقول : حيث تبيّن عدم تقدّم الجمع على الترجيح ولا على التخيير ، فلا بدّ من الكلام في المقامين اللذين ذكرنا أنّ الكلام في أحكام التعارض يقع فيهما ، فنقول : إنّ المتعارضين ، إمّا أن لا يكون مع أحدهما مرجّح فيكونان متكافئين متعادلين ، وإمّا أن يكون مع أحدهما مرجّح.
المقام الأوّل في المتكافئين (٢٨٠٣) والكلام فيه اوّلا : في أنّ الأصل في المتكافئين التساقط وفرضهما كأن لم يكونا (٢٨٠٤) أو لا؟ ثمّ اللازم بعد عدم التساقط : الاحتياط (٢٨٠٥) أو التخيير (٢٨٠٦)
______________________________________________________
٢٨٠٣. لا خلاف ولا إشكال في جواز تكافؤ الأمارتين الشرعيّتين. والحقّ وقوعه أيضا في الشرعيّات ، لشهادة العيان بذلك ، لأنّا وإن سلّمنا عدم وقوعه في أخبارنا الموجودة في كتبنا المدوّنة ، إلّا أنّه ربّما يقع التكافؤ بين فتوى مجتهدين مع تساويهما من جميع الجهات ، وكذا بين البيّنات ، فإنكار المنكر ـ كما عزي إلى العامّة ـ مكابرة للوجدان ومخالفة للعيان ، وما استند إليه ضعيف جدّا ، ولا يزاحم ما يشاهد بالعيان ، فلا جدوى للتعرّض لما فيه.
٢٨٠٤. هذا مذهب فقهاء العامّة كما في النهاية ، بل ربّما عزي إلى العلّامة فيها ، وفيه نظر.
٢٨٠٥. يعني : في مقام العمل مع إمكانه ، وإلّا فالتخيير ، وهو مذهب الأخباريّين.
٢٨٠٦. هذا هو المشهور. ثمّ التخيير يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون شرعيّا ، بأن كان كلّ من الخبرين معتبرا شرعا مخيّرا بينهما في نظر الشارع ، نظير التخيير في خصال الكفّارة.
وثانيهما : أن يكون عقليّا بأن كان أحد الخبرين حقّا في الواقع والآخر باطلا ، واشتبه الحقّ بالباطل في نظر المجتهد ، ولم يمكن التمييز والترجيح ، فيحكم العقل حينئذ بالتخيير بينهما من باب الإلجاء والاضطرار.